الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخجل الذي يمنع المسلم من فعل الخير

السؤال

أبلغ من العمر 20 عامًا، والخجل مسيطر عليّ في أمور الدِّين والدنيا، خجل من تلاوة القرآن، ومن أن أنصح غيري وهو محتاج لذلك، ومن قول الأذكار، ومن أن أقول لوالديّ قولًا كريمًا، ومن أن أسأل أهلي عما لا أعرفه من أحكام الصلاة والطهارة وغيرها، ويصل الأمر إلى الخجل من قول: إن شاء الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه بصوت يسمعه غيري.
منذ أن بدأت الصلاة في العاشرة تقريبًا وأنا لا أصلي أمام أحد من أهلي أو غيرهم، وبمجرد أن يدخل أحد عليّ وأنا أصلي، أخاف وأقطع الصلاة، ومنذ بضعة أشهر فقط لم أعد أخرج من الصلاة، ولكني بمجرد أن أسمع أحدًا يقترب من الغرفة أخاف، وتزيد ضربات قلبي، وأحس بضيق، وأحس أن هذا الشخص ينظر إليّ، ويعاديني، مع علمي أنهم لا ينظرون إليّ، وأن أمري لا يعنيهم، وأنهم يريدون لي كل الخير، ولا أركّز في الصلاة، ولا أكمل الصلاة بنفس الكيفية التي كنت أصلي بها قبل أن يدخل عليّ أحد.
وعندما أدعو الله رافعة يديّ، ويدخل أحد من أهلي الغرفة، تحدث لي حالة خوف شديد، وفزع، وأنزل يدي بسرعة، ولا أكمل الدعاء، ويراني الشخص الذي دخل كأني طبيعية، وأموري بخير، ولا يعلم ما حدث.
وعندما أريد أن أقول قبل الطعام: بسم الله، أو على شيء سأفعله: إن شاء الله، أحس بضيق في صدري كأن شيئًا يمنعني.
وفي كل مرة يحدث أي أمر مما ذكرته، ويحدث هذا الخوف؛ أشعر أن هذا شرك.
ومرت السنة الماضية كاملة ولم أفعل فيها أيّ شيء -لا للدنيا، ولا للدراسة، ولا للدِّين-، وكلما بدأت بالدراسة أتذكر الأمر، فأخاف من الله، وأقول لنفسي: أنت تشركين بالله، وتعصين ربنا، فبماذا ستفيدك الدراسة وأنت على هذا الحال؟ وأريد الآن أن أكون طبيعية، وأغيّر معتقداتي، وأفكاري الخاطئة، وأعالجها بالتدريج، ولكن الأمر يحتاج وقتًا، فهل هذا الخوف الشديد، والخجل، وتعمّدي خفض صوتي في الصلاة، وعدم إتمامي الدعاء عندما يراني أحد، وقولي للأذكار كلها بحيث لا يسمعني أحد، شرك بالله ومعصية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الخجل الذي يمنع المسلم من فعل الخير، خصلة مذمومة، لكن مجرد الخجل ليس بشرك، ولا يأثم المسلم به إلا إذا ترك واجبًا، أو فعل محرمًا، قال ابن القيم في كتابه: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: فإن النفس متى انحرفت عن التوسط، انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ولا بد، فإذا انحرفت عن خلق الحياء، انحرفت إما إلى قحة وجرأة، وإما إلى عجز وخور ومهانة، بحيث يطمع في نفسه عدوه، ويفوته كثير من مصالحه، ويزعم أن الحامل له على ذلك الحياء، وإنما هو المهانة، والعجز، وموت النفس. اهـ.

وجاء في كتاب: بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية للخادمي: وأفضل الحياء الحياء من الله تعالى)؛ لأنه مانع من مخالفته في الأوامر والنواهي (ثم) الحياء (من الناس فيما لا معصية، ولا كراهة فيه) (وأما ما فيه إحداهما، كالحياء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك السنن، كالسواك، ولعق الأصابع والقصعة، وأكل ما سقط على السفرة، أو على الأرض من الطعام، والجهر بالسلام، ورده، والأذان، والإمامة، ونحو ذلك؛ فمذموم جدًّا؛ لأنه) أي: الامتناع (في الحقيقة جبن) أي: ضعف قلب، وقلة شجاعة (وضعف في الدين) إذ لو كان قويًّا لما خاف لومة لائم (أو رياء، أو كبر، ولو سلم أنه حياء، فحياء من الناس، ووقاحة) أي: عدم حياء (لله تعالى؛ ولرسوله، وجرأة عليهما، والله ورسوله أحق بالحياء من الناس، فما حال من لا يستحيي من خالقه ورازقه) بأنواع الأرزاق (وهاديه) إلى أنواع الخيرات والطاعات (ومنجيه) من المصائب والبليات في الدنيا والآخرة (بترك الأوامر الإلهية والسنن المحمدية، ويستحيي من المخلوق العاجز لطلب ثنائهم، ورضاهم، وحطامهم، ويفر من تعييرهم، ولا يفر من العذاب الأليم ).اهـ. باختصار.

وعلى كل؛ فينبغي لك أن تسعي في علاج هذا الخجل المَرَضي، وقد ذكرنا بعض الوسائل في الفتاوى: 187773، 188687.

ويحسن بك مراجعة المختصين النفسيين، والاستعانة بهم في التخلص من الخجل.

ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا، والاستفادة منه في هذا الجانب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني