الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شراء الأبناء الأرض الموروثة من الأم والأخوات بأقل من قيمتها

السؤال

توفي والدي، وترك أرضًا تقدر بـ ٨٠٠ مليون، وترك زوجة، وثلاثة أبناء، وأربع بنات، فطلب الأبناء من البنات والوالدة بيع الأرض لهم بسعر ٢٠٠ مليون، واستغلوا حياءهم، ويقسم المبلغ بينهم جميعًا شفهيًّا من غير تسليم؛ لكون الأبناء لا يملكون مبلغ الشراء؛ فتصبح الأرض ملك الأبناء، وعند بيع الأرض بعد ذلك من قِبَل الأولاد بسعر ٨٠٠ مليون أو أكثر، يقوم الأبناء بتسديد حصة الأم، وكل من البنات؛ لكون التقسيم تَمَّ مسبقا على سعر ٢٠٠ مليون، فهل يجوز ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما يريد فعله الأبناء إن كان بجهلٍ من الزوجة والبنات بحقيقة قيمة الأرض، فإنما هو خديعة، وحيلة ظاهرة لهضم شيء من حق البنات في الميراث، فلا يجوز؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْخِيَانَةُ فِي النَّارِ. اهـ. ومعنى أنهما في النار أنهما يدخلان صاحبهما في النار.

وإن كانت الزوجة والبنات يعلمن القيمة الحقيقية للأرض، وإنما وافقن حياء، فقد ذكر الفقهاء أن المأخوذ بسيف الحياء كالمغصوب، لا يملكه آخذه، كما بيناه في الفتوى: 23152، والفتوى: 157371.

وجاء في «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» لابن حجر الهيتمي الشافعي: وَآخِذُ مَالَ غَيْرِهِ بِالْحَيَاءِ، لَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ، وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا فِي الْمَلَأِ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ لِبَاعِثِ الْحَيَاءِ فَقَطْ، لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ. اهــ.

ومثله ما جاء في فتاواه «الفتاوى الفقهية الكبرى» نقلًا عن الإمام الغزالي: وَالْغَصْبُ نَوْعَانِ: غَصْبُ اسْتِيلَاءٍ، وَغَصْبُ اسْتِحْيَاءٍ: فَغَصْبُ الِاسْتِيلَاءِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَغَصْب الِاسْتِحْيَاءِ هُوَ: أَخْذُهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْحَيَاءِ. قَالَ: وَهُمَا حَرَامَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ بِالسِّيَاطِ الظَّاهِرَةِ، وَبَيْن أَخْذِهِ بِالسِّيَاطِ الْبَاطِنَةِ. اهــ.

ولا يستغرب حدوث ذلك في بعض المجتمعات في هذا الزمن، فقد دأبت بعضها على حرمان الأنثى من الميراث، أو إنقاص حقّها منه بشتى السبل، ولا شك أن هذا محرم، وأنه من عادات أهل الجاهلية الذين كانوا يورثون الذكور دون الإناث؛ حتى نزل قول الله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا {النساء:7}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني