الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الامتناع عن الشهادة في المحكمة خوفًا من الأضرار التي تلحق أهل الفتاة

السؤال

قال أحد الأشخاص: أنا في موقف صعب، وغير قادر على التفكير بطريقة سليمة، فعندي شهادة أمام المحكمة عن قضية زنى، وهذه القضية متوقفة على شهادتي، فهناك امرأة ورجل يترددان على شقة في العمارة المقابلة لصيدليتي، وقد ترددا عليَّ أكثر من مرة لأخذ حبوب منع الحمل، وأشياء أخرى متعلقة بهذا الأمر.
وقد جاءني أحد أقاربها، وقال لي: إنهم يعلمون أن ابنتهم مخطئة، لكنها لو حُبِست فسيتضرر أناس كثيرون، ليس بسبب الفضيحة فقط، بل بأمور أخرى، فعندها أخ في كلية عسكرية، وسيتم فصله، ولها أخت معيدة في كلية، وستؤذى بشدة في سمعتها المهنية، بجانب الضرر النفسي والاجتماعي، وأخبرني أن أمّها تعبت منذ أن بدأت القضية، وحُجِزت في المستشفى،
فهمت من كلامه أنه عرض عليَّ رشوة مقابل أن أتراجع عن شهادتي أمام النيابة في المحكمة، وقد سألت عن أهلها، وعرفت أنهم ناس محترمون، ولو سُجِنت فسيتضررون، وأنا في حيرة شديدة، وفقدت قدرتي على التفكير تمامًا: فلو شهدت معها، فسيتضرر زوجها وسيُظلم، ومن الممكن أن يُؤذى ضابط التحريات في عمله؛ لأني سأشهد ضده، ولو شهدت بالحق، فكل أهلها سيتأذون، وعيالها ستطولهم وصمة عار طول عمرهم. نرجو بيان الحكم في هذه الحالة، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يخفى أن مثل هذه الجرائم لا تنفك عن أضرار للأهل! ولو كان لذلك اعتبار لما كان هناك حد للزنى، ولما شُرِع اللعان بين الزوجين. وهذه امرأة هلال بن أمية عندما قذفها زوجها، ولاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، فشهد هلال الشهادات الخمسة، ثم قامت المرأة فشهدت، فلما كانت عند الخامسة، وقفوها، وقالوا: إنها موجبة، فتلكأت ونكصت؛ حتى ظنوا أنها ترجع، ثم قالت: "لا أفضح قومي سائر اليوم"، فمضت. رواه البخاري.

قال التوربشتي في شرح مصابيح السنة: أي: لا أصدق الزوج؛ فإن فيه فضيحة قومي آخر الدهر، فيعيرون لمكاني منهم. اهـ.

فما حملها على أن توجب على نفسها غضب الله -والعياذ بالله- إلا خشية الفضيحة على قومها بعد رجمها.

والمقصود أن الأضرار التي تلحق الأهل بفعل هذه الفواحش أمر معروف، وثابت في كل عصر، ومع ذلك شُرع اللعان، وشرع الحد.

ثم إن هذه الأضرار سيقابلها أضرار أخرى بالزوج وأهله إذا لم يظهر الحق، ويُحكم به، ناهيك عما أشار إليه السائل من الأضرار المتوقعة لضابط التحريات في عمله؛ فالأضرار حاصلة على أية حال، وشتان ما بين حصولها بحق وبين حصولها بباطل.

ولذلك؛ فإن السائل إذا تعرض للشهادة أمام القاضي، فلا يسعه إلا أن يشهد بالحق الذي يعلمه ويتيقنه.

وهو على أية حال -كما يظهر من السؤال- لن يقذف المرأة بالزنى، وإنما سيشهد بالواقع الذي رآه، والتفاصيل التي تخصّ عمله بالصيدلية، إذا طلب منه القاضي ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني