الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تمني الكفر لا يكون كفرا إلا باستحسانه

السؤال

ما حكم الكلام المذكور في هذه القصة؟ وهل يُعد فعلًا من محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وقد قرأتها في بعض كتب الأدب.
"قال رجل من أهل الكوفة لرجل من أهل المدينة: نحن أشد حبا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم، وعلى آله- منكم يا أهل المدينة. فقال المدني: فما بلغ من حبك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، وعلى آله-؟ قال: وددت أني وقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه لم يكن وصل إليه يوم أحد، ولا في غيره من الأيام شيء من المكروه يكرهه، إلا كان بي دونه. فقال المدني: أفعندك غير هذا؟ قال: وما يكون غير هذا؟ قال: وددت أن أبا طالب كان آمن، فَسُرَّ به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأني كافر".

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مثل هذه المبالغات الممجوجة ليست من المحبة المشروعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا إن أمكن تصور أن يكون قائل تلك المقالة صادقا في قوله أصلا!

وعلى كل: فإن هذه المقالة مع شناعتها لا تبلغ أن تكون كفرا، فإن تمني الكفر لا يكون كفرا إلا مع استحسان الكفر، لا مع استقباحه.

قال الحليمي: فإن سأل سائل عن مسلم كان في قلبه غل على كافر من وجه سوى الكفر، فأسلم الكافر، فحزن المسلم لذلك، ونسي أن كان لمسلم، وود لو عاد فكفر، أيكفر المسلم بذلك أم لا؟
قيل له: لا يكفر بذلك لأن استقباحه الكفر هو الذي يحمله على أن يتمنى له. واستحسانه للإسلام هو الذي يحمله على أن يكرهه له، وإنما يكون تمني الكفر كفرًا إذا كان على وجه الاستحسان له.

ألا ترى أن موسى نبي الله -صلوات الله عليه- دعا على فرعون فقال: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}. فتمنى أن لا يؤمن فرعون وآله حتى يروا العذاب الأليم. وزاد على التمني أن دعا الله -تعالى جده- بذلك فلم يضره ذلك شيئًا، ولا عاتبه الله تعالى، ولا زجره عنه. اهـ من المنهاج في شعب الإيمان.

نعم من المحبة المشروعة تمني حصول ما يحبه النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقديمه على حصول محبوبات النفس، مثل ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنه قال للعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-: مهلا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إسلام الخطاب. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وصححه ابن حجر في المطالب العالية.

وانظر للفائدة الفتاوى: 75172 - 112178 - 123587.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني