الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسّ عورة الغير وذات المحرم من وراء حائل

السؤال

ذكرتم في الفتوى: 254323 عدم حرمة التلاصق بين الرجال مع وجود حائل، لكنكم قررتم في الفتوى: 55710 حرمة مسّ العورة، ولو من فوق الثياب، وقررتم نحو هذا من الحرمة أيضًا في الفتوى: 99991، فهل هذا متعلق باختلاف المفتين أم إنه قد التبس عليَّ الفهم؟
والقول المنقول عن النفراوي في الفتوى: 99991 كان في تلامس الرجل مع المرأة الأجنبية، وليس في المحارم، حسب ما فهمت من قراءة النقل بتمامه، وصححوا لي إن أخطأت.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فها هنا مسألتان:

الأولى: مسّ عورة الغير دون حائل، وهذا محرم باتفاق، قال النووي في شرح مسلم: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد"، وكذلك في المرأة مع المرأة، فهو نهي تحريم، إذا لم يكن بينهما حائل. وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان، وهذا متفق عليه. اهـ.

وقال ابن حجر في «فتح الباري»: في الحديث تحريم ملاقاة بشرتي الرجلين بغير حائل، إلا عند ضرورة، ويستثنى المصافحة. ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان بالاتفاق. اهـ.

والثانية: مسّها من وراء حائل، وهذا فيه تفصيل وخلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى حرمة ذلك، قال الحافظ ابن رجب في شرح صحيح البخاري، تعليقًا على أثر زيد بن ثابت: أنزل الله على رسوله وفخذه على فخذي، فثقلت عليَّ؛ حتى خفت أن ترض فخذي. قال: فيه دليل على أنه يجوز مسّ فخذ غيره من وراء حائل، ولو كان عورة لم يجز مسّه من وراء حائل، ولا غيره، كالفرجين. اهـ.

ومنهم من يرى عدم حرمة ذلك، ولا سيما عند الحاجة، وعلى قدرها، قال ابن مازة الحنفي في «المحيط البرهاني»: كل موضع لا يجوز النظر إليه، لا يجوز مسه، إلا من فوق الثياب. اهـ.

وقال ابن حجر الهيتمي في «تحفة المحتاج»: يجوز للرجل دلك فخذ الرجل؛ بشرط حائل، وأمن فتنة. اهـ.

وذكر الغزالي في «الإحياء» منكرات الحمامات، وقال: منها: الانبطاح على الوجه بين يدي الدلاك لتغميز الأفخاذ والأعجاز، فهذا مكروه إن كان مع حائل، ولكن لا يكون محظورًا، إذا لم يخشَ من حركة الشهوة. اهـ.

ومما ورد في المسّ مع وجود الحائل، حديث جابر بن عبد الله، قال: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار ... الحديث، رواه البخاري، ومسلم. قال ابن حجر في فتح الباري: (الكسع) المشهور فيه أنه ضرب الدبر باليد أو بالرجل، ووقع عند الطبري من وجه آخر عن عمرو بن دينار، عن جابر أن رجلًا من المهاجرين كسع رجلًا من الأنصار برجله. وذلك عند أهل اليمن شديد. اهـ.

والذي يظهر لنا رجحانه هو جواز ذلك من وراء حائل، وعند أمن الفتنة، فيما عدا الفرجين؛ فالأمر فيهما أشد، كما سبق في كلام ابن رجب؛ ولذلك كان الجواب في الفتوى: 55710، وكذلك الفتوى: 32575 بحرمة ذلك؛ لأن السؤال كان عن حكم: (لمس قضيب صديقه من فوق ملابسه من باب المزاح).

بخلاف الفتوى: 254323 فكان سؤالها عن وقوف الرجل خلف الرجل مع وجود تلامس بينهما في وسائل المواصلات العامة؟ وهذا قد يحدث في طواف الحج عند الزحام الشديد.

وعلى نحو الفتوى: 55710 أو قريب منه، ما جاء في الفتوى: 99991 حيث كان السؤال المتعلق بذلك فيها عن حكم جلوس الأخت المتزوجة على رجل أخيها المتزوج، فجاء الجواب حملًا على حكم مس العورة المغلظة.

وكلام النفراوي المنقول فيها -وإن لم يكن في خصوص المحارم- إلا أن قوله: لا ينبغي أن يشك في حرمة تلاصقهما تحت لحاف، ولو في غير عورة، ولو من فوق حائل، حيث كانا بالغين. يتناولهنّ بعمومه؛ فإن ذلك لا يجوز حتى مع المحارم من النساء. وراجع في ذلك الفتوى: 23210.

وهنا ننبه على أن أهل العلم فرّقوا في حق ذوات المحارم بين: مسّ ما بين السرة والركبة، ومسّ ما عدا ذلك، من فوق الثياب، فمنعوا الأول دون الثاني، عند الحاجة، وأمن الفتنة، قال المرغيناني في الهداية: إن احتاجت -يعني المرأة من ذوات المحارم- إلى الإركاب والإنزال، فلا بأس بأن يمسّها من وراء ثيابها، ويأخذ ظهرها وبطنها، دون ما تحتهما، إذا أمنا الشهوة. اهـ.

وقال العيني في شرح الهداية: (ويأخذ ظهرها وبطنها دون ما تحتهما) إلى الركبة، حيث لا يجوز مسّه فوق الثياب؛ لأن الإباحة للضرورة، وهي ترتفع بمسّ الظهر والبطن؛ لأن ما تحت السرة عورة في حق جميع الناس، بخلاف الظهر والبطن، فإنهما ليسا بعورة في حق النساء، والضرورة ترتفع بالأدنى. اهـ.

وقال ابن مودود الموصلي في «الاختيار لتعليل المختار»: إن سافر معهنّ، فلا بأس أن يحملهّن وينزلهنّ، يأخذ بالبطن والظهر، لأن اللمس من فوق الثياب لا يوجب الشهوة، فصار كالنظر، حتى لو كانت متجردة، أو عليها ثياب رقيقة يجد حرارتها من فوقه: لا يمسها؛ تحرزًا عن الوقوع في الفتنة. اهـ. وانظر الفتوى: 320779.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني