الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الواجب والمستحب من حقوق الجار

السؤال

أريد معرفة الواجب من حقوق الجار، حيث إن الأمر التبس عليَّ، ولا أعرف الواجب من المستحب في حقوق الجار.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فأما الواجب للجار فهو: كف الأذى عنه، وعدم الإساءة إليه، ورد سلامه إذا سلم، وإجابة دعوته إذا دعاك إلى ما تجب الإجابة إليه؛ كوليمة عرس.

وأما ما زاد من الإحسان إليه بالهدية، ونحوها، ثم ما زاد من احتمال أذاه، والصفح، والإغضاء عنه، ونحو ذلك؛ فهو من المستحبات المتأكدة.

قال السفاريني في غذاء الألباب: وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ حُسْنِ الصُّحْبَةِ؛ كَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَهَذَا وَاجِبٌ. وَفِي الْحَدِيثِ عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَيِّدٌ. وَفَوْقَ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ. وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَمِلَ الْأَذَى مِنْهُمْ، وَيُحْسِنَ مَعَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَهَذِهِ دَرَجَةُ الصِّدِّيقِينَ. انتهى

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح مبينا بعض حقوق الجار مشيرا إلى وجوب كف الأذى عنه، ونهيه عن المنكر إذا وقع منه: وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة: حِفْظ الْجَار مِنْ كَمَالِ الْإِيمَان، وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ، وَيَحْصُل اِمْتِثَال الْوَصِيَّة بِهِ بِإِيصَالِ ضُرُوب الْإِحْسَان إِلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَة كَالْهَدِيَّةِ، وَالسَّلَام، وَطَلَاقَة الْوَجْه عِنْدَ لِقَائِهِ، وَتَفَقُّد حَاله، وَمُعَاوَنَته فِيمَا يَحْتَاج إِلَيْهِ إِلَى غَيْر ذَلِكَ.

وَكَفّ أَسْبَاب الْأَذَى عَنْهُ عَلَى اِخْتِلَاف أَنْوَاعه؛ حِسِّيَّة كَانَتْ، أَوْ مَعْنَوِيَّة . وَقَدْ نَفَى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْإِيمَان عَمَّنْ لَمْ يَأْمَن جَاره بَوَائِقه، كَمَا فِي الْحَدِيث الَّذِي يَلِيه، وَهِيَ مُبَالَغَة تُنْبِئ عَنْ تَعْظِيم حَقّ الْجَار، وَأَنَّ إِضْرَاره مِن الْكَبَائِر. قَالَ: وَيَفْتَرِق الْحَال فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَارِ الصَّالِح، وَغَيْر الصَّالِح.

وَاَلَّذِي يَشْمَل الْجَمِيع إِرَادَة الْخَيْر لَهُ، وَمَوْعِظَته بِالْحُسْنَى، وَالدُّعَاء لَهُ بِالْهِدَايَةِ، وَتَرْك الْإِضْرَار لَهُ إِلَّا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَجِب فِيهِ الْإِضْرَار لَهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْل، وَاَلَّذِي يَخُصّ الصَّالِح هُوَ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ، وَغَيْر الصَّالِح كَفّه عَن الَّذِي يَرْتَكِبهُ بِالْحُسْنَى عَلَى حَسَب مَرَاتِب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنْكَر، وَيَعِظ الْكَافِر بِعَرْضِ الْإِسْلَام عَلَيْهِ، وَيُبَيِّن مَحَاسِنه، وَالتَّرْغِيب فِيهِ بِرِفْقٍ، وَيَعِظ الْفَاسِق بِمَا يُنَاسِبهُ بِالرِّفْقِ أَيْضًا، وَيَسْتُر عَلَيْهِ ((زلله)) عَنْ غَيْره، وَيَنْهَاهُ بِرِفْقٍ، فَإِنْ أَفَادَ فَبِهِ، وَإِلَّا فَيَهْجُرهُ قَاصِدًا تَأْدِيبه عَلَى ذَلِكَ مَعَ إِعْلَامه بِالسَّبَبِ لِيَكُفّ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني