الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اتهام المرأة لزوجها وقذف قريبتها هل يسقط حقوقها؟

السؤال

لديّ مشكلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام على حد علمي:
الأول منها: قذف المحصنات، والثاني: أن هذا العمل تسبب في قطيعة الرحم، والثالثة: أن من فعل ذلك زوجتي، ولديّ منها طفلة عمرها ثلاثة أشهر، وقد قذفت بنت عمّتها في عرضها؛ لأنها تعرف أنني كنت قد تقدمت لخطبتها من قبل، ولم يتم الأمر، وكذلك كنت سأسمّي بنتي على اسمها، وعند علمها بأنني كنت قد خطبتها، ظلّت تبحث عن أي أدلة، وتجسّست عليّ كثيرًا، وبحثت كثيرًا في هاتفي لتجد ما يريح ظنها السيئ، ونفذت كل ما سوّلت لها نفسها -من قذف، وغيبة، ونميمة-، وكل هذا وأنا لا أعرف شيئًا.
ومن خلال البحث، والسلوكيات المريبة التي لاحظتها من زوجتي، ومن حديثها معي، شعرت أن هنالك شيئًا ما، فسألتها: هل تحدثت مع أحد من أبناء خالتي؟ فقالت: كنت سأخبرك، وسألتها عن الهاتف الذي تحدثت من خلاله، وبالضغط عليها أخذته، واكتشفت أنها فعلت كل ما قلته في السابق، وكل المحادثات موجودة، والهاتف معي حاليًّا، فلم أفعل شيئًا سوى أنني راسلت والدها ليأخذها، وقد أخذها وبنتها، وهي لم تكتفِ بذلك، فعندما ذهبت لبيت أبيها تحدثت مع من لا يخصّه الأمر، وجاهرت بما فعلت مع أقاربها، وهم يبررون فعلتها بأنها تغار على بيتها وكرامتها، وأن ما عملته ليس عيبًا، ولديّ غريزة الانتقام منهم جميعًا، ولكنني -والحمد لله ـ أصابر، وأكابر، وأضغط على نفسي وغرورها، وأعلم أن قصاص الله قريب، وما ترتب عليه أنها كذبت عليّ، وأساءت لي، وقطعت الرحم، وقذفت بنت عمّتها بالكلام الباطل.
وعلى حد علمي فإنّ ما فعلته يعد نشوزًا؛ فلا نفقة لها عليّ، وهي في بيت أبيها حاليًّا، ورغم ذلك أرسلت لبنتي المال؛ لأنه لا ذنب لها فيما حدث، فأخذت المال، وبعد يوم قامت بإرساله لي مرة أخرى، ومنعتني من الإنفاق على بنتي، فتدخّل أهل الخير من طرفي في الأمر، فرأيت أن هذا سيبخس حقّي، ومن واجب أهل زوجتي أن يبحثوا عن إصلاح ما أفسدته ابنتهم، ودائمًا أقول: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وأتمنى من ربي أن يقتصّ لي منهم جهارًا...
لا أريد أن أرتكب ذنبًا، وقلبي لم يعد يتسع لزوجتي، ولا أستطيع أن أسامحها، وأشعر أن الراحة في الانفصال، فهل لها حقوق إذا طلبت الطلاق؟ وإذا طلقت مع ثبوت نشوزها، فهل يسقط حقّها في المؤخر، والنفقة؟ وإذا تركتها في بيت أبيها، وتزوجت، فهل أحاسب على ذلك؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان حال زوجتك على ما ذكرت؛ فإنها قد جمعت بذلك جملة من المنكرات، ومنها: الظن السيئ، والتجسس، والقذف، ومحادثتها رجلًا أجنبيًّا عنها، وهي بذلك آثمة إثمًا مبينًا؛ فالواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وسبق بيان شروط التوبة في الفتوى: 29785، والفتوى: 18180.

وعلى الرغم مما ذكرت عنها من أمور جسيمة، وآثام عظيمة، إلا أننا لم نجد فيما ذكرت ما يثبت به نشوزها، ولمعرفة ما يحصل به النشوز، راجع الفتوى: 161663.

وإذا لم يوجد منها نشوز، فلا يسقط حقها في النفقة، بل يجب عليك أن تنفق عليها، ولو كانت في بيت أهلها، وذهابها إلى بيت أهلها، كان بإذن منك.

وإن كانت قد أقرّها بعض أهلها على ما فعلت من منكرات، فقد أساءوا إساءة عظيمة.

وننصح بأن يتدخل العقلاء من أهلك وأهلها للإصلاح بينكما؛ فإن الشرع قد حث على ذلك، قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء:128}، وروى أبو داود عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة.

ويتأكد هذا في حق الزوجين، فإن تيسر الإصلاح، واستقام الأمر، فأمسك عليك زوجك، وأحسن عشرتها.

وإن لم يتيسر الإصلاح، فالأفضل الطلاق، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين؛ فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة، مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة؛ فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.

ولا يجوز لك ترك زوجتك معلقة: فإما أن تمسك بمعروف، وإما أن تفارق بإحسان.

والأصل أن المرأة إذا طلقت، استحقت حقوق المرأة المطلقة -من الصداق، والنفقة في العدة، ونحو ذلك-، ولمزيد الفائدة، يمكن مطالعة الفتوى: 8845.

وإذا كانت ناشزًا، جاز للزوج أن يطلقها في مقابل عوض تدفعه إليه، ويمكن أن يكون العوض تنازلها عن بعض حقوقها، وليس هنالك ما يدل على نشوز زوجتك -كما أسلفنا-.

ومن حقك أن تدعو على من ظلمك، وتسأل الله تعالى أن يقتصّ لك منه، ولكن العفو أفضل، وله كثير من العواقب الحميدة، كما سبق بيانه في الفتوى: 27841.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني