الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبل الوقاية من أذى الجيران

السؤال

أنا -ولله الحمد- ابتليت بجيران مؤذين بطريقة لا أستطيع تحملها، ينظرون إلينا ونحن نبدل الملابس، ونحن نقضي الحاجة. مع العلم أن الأبواب والنوافذ مغلقة، يسلطون كشافات لرؤية عوراتنا بالليل، ويتجسسون علينا ونحن نيام.
يتحركون جاهدين لتلويث مسامعنا بشتمنا، وقذفنا، والسخرية منا عند المصائب، والعيب على خلقتنا، ونقل كل ما يستمعون إليه للناس، واتهامات باطلة، ما أنزل الله بها من سلطان.
وأطفالهم مؤذون جدا جدا. ورغم ذلك لا نكلم أحدا، ولا نخالط أحدا منهم لشرهم الشديد.
ما العمل؟ وما الحل؟ ماذا أفعل؟
لا أستطيع التلذذ بالعبادة، ولا بالسعادة، ولا بالكلام. أحتاج أن أشعر بمراقبة الله، ليس البشر. أحتاج أن أخشع، وأن أبدل ملابسي بحرية، وأحتاج وقتا لراحة قلبي، وإشغاله بالله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن جهة العموم، فإن أذية بعض الجيران لجيرانهم مما يحدث كثيرا في واقع الناس، وهو بلا شك أمر منكر، ويتنافى مع ما جاء به الشرع من الوصية بالجار، وتحريم أذيته، وسبق بيان بعض النصوص في ذلك في الفتوى: 46583، والفتوى: 183803 .

ولكن يبدو أن في بعض ما ذكرت هنا نوعا من المبالغة، وخاصة في أمر النظر عند تبديل الملابس، أو قضاء الحاجة مع إغلاق الأبواب والنوافذ.

وعلى كل، فإن صح ما ذكرت عنهم من تجاوزات شرعية. فإننا:

أولا: نوصي بالصبر عليهم مع الأخذ بكافة الاحتياطات التي تمنعهم من أذيتكم، فعاقبة الصبر خير؛ كما هو مبين في الفتوى 18103.

ثانيا: كثرة الدعاء لهم بخير، وأن يهديهم الله صراطه المستقيم، ويرزقهم الرشد والصواب، فالله -عز وجل- خير مسؤول، وخير مجيب، حيث قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}. وسلوا الله تعالى أيضا أن يرد عنكم كيدهم، ففي الحديث الذي رواه أبو داود عن عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خاف قومًا، قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
ثالثا: بذل النصح لهم بالحسنى، وتذكيرهم بالله -عز وجل-، وانتداب بعض الفضلاء من الناس ممن لهم وجاهة عندهم، وترجون تأثيرهم عليهم، فعسى الله أن ينفعهم بنصحهم. روى مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

رابعا: إن لم ينتفعوا بالنصح، فيمكن فعل العلاج النبوي، نعني ما رواه أبو داود عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو جاره، فقال: اذهب فاصبر. فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق. فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه، فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه.

خامسا: تهديدهم برفع الأمر إلى الجهات المسؤولة التي يمكنها ردعهم، ورفع الأمر إليهم حقيقة إن اقتضى الأمر ذلك، ويمكن البحث أيضا في البحث عن مسكن آخر، والانتقال إليه إن أمكن ذلك.

ونوصيك في الختام بمجاهدة نفسك في أمر الطاعة والعبادة، وكثرة ذكر الله -عز وجل-، وعدم ترك فرصة للشيطان ليحول بينك وبين ما فيه الخير والسعادة وراحة النفس، وعسى أن يكون ذلك كله سببا لاستجابة دعائك، وصلاح جيرانكم، أو أن يقيكم الله شرهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني