الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف على زوجته بالطلاق إذا كذبت عليه ولم تخبره بالحقيقة

السؤال

أنا متزوج منذ 17 عامًا، وبعض أولادي في المرحلة الثانوية، ومصاريفهم كثيرة، وستزيد عند التحاقهم بالجامعات خلال أقل من عام ونصف، علمًا أنني أعمل محاسبًا، وأعمل بعض الأعمال الإضافية، وأنفق دخلي كله -بالإضافة لأموال اقترضتها- على مصاريف البيت، وزوجتي تعمل، وراتبها أعلى من راتبي، وتساهم بجزء يسير جدًّا -لا يتجاوز 15 %- في مصاريف البيت، هذا سابقًا، ومنذ أكثر من عام لم تتجاوز مساهمتها 3 % من راتبها، وبعد بلوغ الأولاد هذه المرحلة العمرية أصبحت غير قادر على الوفاء بنفقات تعليمهم؛ لأن دخلي ينفق بالكامل على أساسيات البيت، وطالبت زوجتي بمساهمة أكبر؛ كي أتمكن من سداد ديوني بسرعة، وكي نستطيع تربية وتعليم أبنائنا كما ينبغي، وبما يرضي الله، وقد ادّعت أنه لا يبقى من راتبها شيء، وأنها تصرفه داخل البيت، وقد سحبت مبالغ كبيرة نقدًا من حسابها خلال الشهور الأخيرة، وعند سألتها: أين أنفقتهم؟ قالت: إنها لا تعرف أين ذهب معظم المبلغ، كما أنها اقترضت من البنك سابقًا مبلغًا كبيرًا، بالإضافة إلى مبلغ كان في حسابها، وبعد شهر طلبت مني مالًا؛ وسألتها: أين أموال القرض، والمال الموجود في حسابك؟ فادّعت في البداية أنها أعطتهم لي، فلما واجهتها زعمت أنها لا تتذكر لمن أعطتهم، فحلفت عليها يمين طلاق إن تعمدت أن تكذب عليّ، وسمحت لها باليمين بأنه إذا كان كذبها خوفًا، أو كان نسيانًا، أو كان كذبًا لا شعوريًّا، فيجب عليها لاحقًا أن تخبرني بالحقيقة، وكان يميني على سؤالها: لمن أعطت أموالها؟ فما حكم هذا اليمين؟ علمًا أنها تحاول التسويف، وقالت: إذا رجعت مثلًا من عملي، وسألتني: كيف حالك؟ فسأردّ: إنني بخير، رغم أنني راجعة من العمل متعبة ومرهقة، وإذا قلت لها: تعالي لتتغدى، تقول لي: أنا لست جائعة الآن، ولكنها في الحقيقة جائعة، لكنها تريد أن تنام، وردودها هذه كاذبة، علمًا أن يميني كان على سؤالها أين أنفقت أموالها؟ ونيتي في اليمين كان على إنفاقها أموالها التي ادّعت أني أخذتها، أو أنها صرفتها بالبيت، أو على أي شيء مصيريّ في حياة أسرتنا، وليس كما تحاول أن تدّعي، فما حكم اليمين؟ جزاكم الله خيرًا، وعذرًا على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي فهمناه من سؤالك: أنّك حلفت بطلاق زوجتك إذا تعمّدت الكذب عليك في إخبارها لك بمصارف أموالها التي أنفقتها، أو عدم إخبارك بالحقيقة، لو كانت كذبت عليك غير متعمدة.

فإن كان الأمر كذلك؛ فالمفتى به عندنا أن يمين الطلاق يعدّ كالطلاق المعلق، فإذا حنثت في يمينك؛ فإنّ زوجتك تطلق منك، سواء كنت قاصدًا إيقاع الطلاق أم كنت قاصدًا مجرد التهديد، أو التأكيد، وهذا قول أكثر أهل العلم، وحنثك في هذه اليمين يحصل بعدم إخبار زوجتك لك بمصارف أموالها بصدق قبل انقضاء الزمن الذي نويته في يمينك، وانظر الفتوى: 203128.

وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّك إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق، ولكن قصدت التهديد، أو التأكيد، ونحوه؛ فلا يقع طلاقك بحنثك في هذه اليمين، ولكن تلزمك كفارة يمين فحسب، وراجع الفتوى: 11592.

وننبهك هنا على أن الواجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، ولا يلزم الزوجة -ولو كانت غنية- أن تنفق على البيت من مالها الخاص، إلا أن تتبرّع بذلك عن طِيب نفس.

وما تكسبه المرأة من عملها، يعد حقًّا خالصًا لها، إلا أن يكون الزوج قد اشترط للسماح لها بالخروج إلى العمل أن تعطيه قدرًا منه؛ فيلزمها الوفاء به، وراجع في ذلك الفتويين: 35014، 19680.

لكن إعانة المرأة لزوجها بمالها -وإن لم يكن واجبًا عليها-، يعد من مكارم الأخلاق، وكمال المعاشرة بالمعروف، فإن الأصل في علاقة الزوجين التوادّ، والتراحم، ومراعاة كل منهما لظروف الآخر.

كما ننبه إلى أنّ الحلف بالطلاق من أَيْمان الفُسّاق، وقد يترتب عليه ما لا تحمد عقباه؛ فينبغي الحذر من الوقوع فيه.

ونصيحتنا لك أن تشافه أحد أهل العلم بسؤلك هذا؛ لتوضح له مقصودك، وليستفصل منك عما يحتاج إلى استفصال، دون الحاجة إلى فرض احتمال قد لا يكون له وجود في الواقع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني