الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على الأب علاج ابنه

السؤال

أنا مصاب بشدٍّ أو بداية انقطاع في شبكية العين، والشبكية تفصل بين العمى والرؤية، وإن طال بي الزمن أكثر، فقد أصاب بالعمى، ومنذ 4 أشهر باتت عندي نقاط عمياء في العين، وأنا مصاب بها منذ سنة ونصف تقريبًا في عينيّ الاثنتين، وقد طلبت من والدي مرارًا أن يساعدني في ثمن العملية خلال هذه ال 8 شهور، ودائمًا ما يعتذر بأن تكلفة العملية كبيرة، وأن أخا صديقي مصاب بالشبكية منذ أعوام، ولم يجد علاجًا لعينه، فلماذا يدفع لي!؟ مع العلم أن الأطباء يقولون: إن تأخر علاج الشبكية قد يصعّب العلاج أو يمنعه، ومع ذلك فالأيام والشهور تمرّ وأنا ما زلت مصابًا.
ومن الأعذار التي يعتذر بها عدم وجود المال مع أنه في نفس الوقت اشترى لأخي هاتفًا بقيمة 400 دولار تقريبًا، ومنذ بضعة أيام اشترى هاتفًا بسعر 700 دولار تقريبًا بالأقساط ليبيعه، ويشتري به هاتفين له ولأختي، وقد فعل، بالإضافة للمصاريف اليومية حينما يخرج مع أصدقائه، والمصاريف الشهرية للوجبات السريعة، والقهوة، والحلويات.
حينما أكلّمه عن الموضوع يقول لي: أنا قد صرفت عليك كثيرًا في المستوصفات سابقًا، مع العلم أنه السبب فعندما كنت في الثانية من عمري رمى في عيني مفتاحًا عن طريق الخطأ، فأصبت في عيني اليسرى بعمى بنسبة 70 بالمائة، ولم تعالج؛ لأن الأطباء قالوا حينها: إنه ليس لها علاج؛ لكبر القطع في عيني.
وأنا لا أستطيع أن أعمل حتى أوفّر مبلغ العملية، وأهلي جميعًا يعرفون السبب، وأخي الأكبر لا يعمل أيضًا لذات السبب.
وإثر هذه المواقف أصبت بنوبات غضب من حين لآخر، وأحيانًا ألعنه وأشتمه من شدة الغضب، وأشعر أنه ما كان ينبغي أن أفعل ذلك، ولست متأكدًا هل سمع ذلك أم لا، فهل يجب عليه أن يساعدني في تكلفة العملية؟ وهل حينما قلت ما قلت سقط هذا الأمر عنهم؟
وفي الآونة الأخيرة تطوّرت الأحداث إلى أن قال بغضب: لا تكلّمني في هذا الموضوع، أنا سأقوم به متى ما شئت، والأدهى والأمرّ أن أختي منذ يومين طلبت منه أن يعطيها مالًا كي تشتري هدية لصديقتها، وأعطاها.
وإن كان من حقّي أن آخذ المال للعلاج، فهل يجوز أن آخذه حاليًّا دون إخباره؟ فالزمن قد طال، وكلما طال زاد السواد في عيني، وقلّت نسبة العلاج. أفتوني -جزاكم الله خيرًا-

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته عن أبيك في تعامله معك - إن صحّ - فهو أمر يستغرب له؛ وذلك لأن العادة أن الأب يشفق على ابنه، ويحرص على ما فيه مصلحته، ويحذر ما فيه مضرّته.

فنصيحتنا لك البحث عن السبب الذي يدعو أباك لمثل هذا الموقف، خاصة أنه يعامل الآخرين من إخوتك معاملة حسنة:

فإن أخطأت في حقّه، فاعتذر له.

وإن فعلت شيئًا أساء فهمه، فقمْ بالتوضيح له، وتصويب فهمه.

ويمكنك أن تستعين في ذلك بالمقرّبين إليه، مع الإكثار من دعاء الله سبحانه أن ييسر سبيل الإصلاح بينك وبينه، وما ذلك على الله بعزيز؛ فهو على كل شيء قدير، وكل أمر عليه يسير، وقلوب العباد في ملكه، وتحت سيطرته، يسيرها كيف شاء؛ روى الترمذي، وابن ماجه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، يقلّبها.

وإذا كنت غير قادر على الكسب، فنفقتك واجبة على أبيك، فمن حقّك عليه أن ينفق عليك للعلاج، حسب قدرته، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: عن والد غني، وله ولد معسر، فهل يلزم الوالد الغنيّ أن ينفق على ابنه المعسر؟

فأجاب بقوله: نعم، عليه نفقةُ ولدِهِ بالمعروف، إذا كان الولدُ فقيرًا عاجزًا عن الكسب والوالدُ مُوسرًا. اهـ.

فإن بخل عليك بذلك، جاز لك الأخذ من ماله بقدره دون علمه، وراجع الفتوى: 30148.

والأفضل من هذا كله أن تستعين بأمّك، أو غيرها؛ لإقناعه بالإنفاق عليك، وعلاجك.

وإن ثبت ما ذكرت من كون ما أصاب عينك سببه أبوك؛ فتلزمه الدية، وفيها تفصيل سبق بيانه في الفتوى: 55684.

وننبهك إلى أن من تتكلّم عنه هو أبوك، فمهما أساء إليك، أو ظلمك، وجب عليك التأدّب معه، والحذر من أن تسيء إليه بأدنى إساءة.

والواجب عليك التوبة مما وقع منك من غضب في وجه والدك، ولعنك، وشتمك له؛ فذلك من عظيم العقوق، وراجع في العقوق والتوبة منه الفتوى: 73485، والفتوى: 16531.

كما ننبهك هنا على أنه يمكنك السعي لدى المؤسسات الخيرية؛ لتتولى نفقة علاجك، وإجراء العملية لك، إذا لم يرضَ والدك بإجرائها لك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني