الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأحكام الشرعية تثبت بوجود علتها

السؤال

شكرا لكم على جهودكم، لدي سؤال، وليس اعتراضا على حكمة ربنا، بل للفهم، لا أكثر: هناك محرمات كثيرة مثل عدم النظر إلى النساء وعدم لعب النرد الخ... فالحكمة من تحريم النظر إلى النساء هي أنه إذا نظر الرجل الأعزب إلى النساء، فمن الممكن أن يثير ذلك شهوته إلى المحرمات، وإذا نظر الرجل المتزوج، فمن الممكن أن يحدث ذلك مشاكل زوجية بينه وبين زوجته، لأنه يعتقد أنها ليست بالجمال الكافي، فإذا لم تحدث هذه المشاكل، فلماذا يكون النظرمحرما وقتها؟ لأن الغرض من تحريم هذه الأشياء هي النتائج التي تسببها؟ ونفس الحديث عن النرد، حيث أعتقد أنه تم تحريمه بسبب تضيعه للوقت وتأخير الصلاة عن وقتها، الخ... فماذا لو صليت كل الفروض والسنن، ثم لعبت النرد؟ وهل هو حرام أيضا؟ وينطبق هذا الأمر على كل المحرمات.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من مثارات الغلط الشائعة، والتي يصدر عنها مثل هذا السؤال هو عدم التمييز بين علة الحكم الشرعي، وبين الحكمة منه، فإن العلة: هي المعنى المنضبط الذي يناط به الحكم، وهي تدور مع الحكم وجودا وعدما، وأما الحكمة: فهي ما يترتب على ربط الحكم بعلته أو سببه، من جلب للمصالح أو دفع للمفاسد؛ فالحكمة التي شرع لها الحكم لا يصلح بها التعليل غالبا، ولا يستند عليها عند القياس، بخلاف العلة، فالحكم الشرعي يثبت بوجود علته وينتفي بانتفائها، وأما الحكمة: فليست كذلك في كل حال، فمثلا: القصاص علته: القتل العمد العدوان، والحكمة منه حفظ النفوس، فلو ادعى مدع أن القصاص من قاتل ما، لن يؤدي إلى حفظ النفوس، بل سيؤدي إلى إزهاق غيره من النفوس ثأرا وحمية للقاتل مثلا، أو أن حفظ النفوس حاصل بترك القصاص، لم يكن لدعواه تلك - ولو سُلم بصحتها - أثر في انتفاء الحكم الشرعي - الذي هو القصاص- وقصر المسافر للصلاة: علته السفر، والحكمة منه دفع المشقة الحاصلة غالبا للمسافر، فلو سافر أحد بلا مشقة جاز له القصر، ولو حصلت المشقة لمقيم لم يجز له القصر، كما سبق تفصيله في الفتوى: 287158.

وبعد هذا: فما ذكرته هي من حِكم تحريم النظر إلى الأجنبيات واللعب بالنرد، وليست عللا لها، فمن ظن أنه لن يفتن بالنظر، وأن اللعب بالنرد لن يصده عن ذكر الله وعن الصلاة، لم يقتض ذلك إباحة النظر، أو حل اللعب بالنرد، وانظر للفائدة حول الحكمة الفتويين: 297964، 286822.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني