الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منزلة الشريعة الإسلامية وأحكامها ومراعاتها لمصالح الدنيا والآخرة

السؤال

ما معتقدنا فيما حرم الله وأحل، وفيما فرض ونهى عنه؟
وهل ما فرضه الله علينا من أحكامه الشرعية، أفضل من باقي الشرائع في المصلحة الدينية والدنيوية دائما، أم أحيانا لها علاقة بالدينية فقط؟
وهل ما نهى عنه الله فيه مضرة دائما بمصلحتنا الدنيوية والأخروية، أم في الأخروية فقط؟
وهل هناك فرق بين أحكام التعبدات والمعاملات في المصلحة الدينية والدنيوية: فتلك تكون لها أفضلية للدنيا، وتلك في الآخرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذه الشريعة الإسلامية بأوامرها ونواهيها، تفوق الشرائع السماوية السابقة، فضلا عن شرائع عقول البشر.

فهي شريعة شرعَها الذي علم ما في ضمنها من ‌المصالح والحِكم والغايات المحمودة، وجعلها مُهيمنة على كل شريعة وقانون، فلا تأمر إلا بما فيه ‌مصلحة خالصة، أو ‌راجحة، ولا تنهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو ‌راجحة، وذلك عام في مصالح الدين والدنيا؛ إذ مبنى الشريعة الإسلامية على الحكمة والرحمة.

قال ابن القيم -رحمه الله- في أعلام الموقعين: أن ‌الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رُتَب ‌المصالح لا تأتي به؛ فإن ‌الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ‌ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ‌ومصالحُ كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن ‌المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من ‌الشريعة وإن أُدخِلت فيها بالتأويل.
‌فالشريعة عدلُ الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظلُّه في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله أتمَّ دلالة وأصدقَها، وهي نوره الذي به أبصر المُبصِرون، وهُداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التامّ الذي به دواء كل عليل. وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل. فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح؛ فهي لها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصلٌ بها.

وكل نقصٍ في الوجود فسببه من إضاعتها. ولولا رسومٌ قد بقيتْ. وهي العصمة للناس وقِوام العالم، وبها يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله -سبحانه- خرابَ الدنيا وطيَّ العالم رفع إليه ما بقي من رسومها. فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب رَحَى الفلاحِ والسعادة في الدنيا والآخرة. اهـ.
ولا فرق فيما ذُكر بين أحكام العبادات والمعاملات، فالكل شُرِع لقيام مصالح النوع الإنساني الدينية والدنيوية، إلا أنه قد يدرك الحِكمَ من هذه الأوامر والنواهي بعضُ الناس ولا يدركها آخرون.

قال الشنقيطي في مجالس التفسير: الله -جل وعلا- حرم هذه الأشياء التي هي: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، ومعروف أن الله لا يحرم شيئاً إلا لحِكمَة، ولا يحرم شيئاً إلا للضرر، فقد يهتدي بعض الناس إلى حِكْمَة ذلك الشيء، وقد يعجز البشر عن إدراكها، فالله -جل وعلا- محيط علمه بكل شيء، ولا يُحَرِّمُ إلَّا لحِكْمَةٍ، لا يحرِّم شيئاً إلا وهو متضمِّنٌ أضْرَاراً عظيمة، وهذه الأضرار قد يتحَصَّلها البشر، وقد يعجز عنها إدراك البشر، لأن علم الخالق -جل وعلا- محيطٌ بكل شيء، يَعْلَمُ أَشْيَاءَ يَتَقَاصَرُ عنها فَهْمُ الْبَشَرِ. اهـ.
وللفائدة، يرجى مراجعة الفتوى: 342697.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني