الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط الحكم على موت المريض بأنه من قتل الخطأ

السؤال

أنا طبيبة أطفال. منذ نحو عشر سنوات كنت طبيبة حديثة التخرج، وعملت في مستشفى خاص، استدعوني لحضور حالة ولادة، كان المولود لا يتنفس، وبدون نبض، واحتاج إنعاشا لفترة طويلة، ما يقرب من 15 دقيقة، حتى استعاد النبض، وتم وضعه على جهاز تنفس صناعي، وكما هو متوقع في هذه الحالات كان ضغطه منخفضا، واحتاج عدة أدوية لرفع الضغط، ثم بدأ يتشنج، وتم إعطاؤه الأدوية اللازمة، ولكن بقي في وضع حرج، بلغت الطبيب الاستشاري بالحالة، وعندما جاء كان منزعجا جدا لرؤية الوليد؛ لأن وضعه حرج.
مع الأسف الطبيب الاستشاري كان بعيدا جدا عن الدين، وأيضا كان ضعيفا علميا، ولا يحب العمل مع الحالات الحرجة، حيث كان يرفض استقبالها بحجج مختلفة.
تكلم مع الأب، ولا أدري ماذا أخبره، ولكنه أقنعه أن يرفع الأدوية عن ابنه، ولا ينعشه. أي أن يتركه يموت؛ لأن وضعه ميؤوس منه، فوافق الأب، وجاء الاستشاري، وأخبرني والممرضات بالقرار وغادر. ولا أدري كيف لم أناقشه، ولا أتذكر إن كنت قد فكرت في الموضوع من ناحية دينية، ربما استغربت من السرعة التي قرر بها هذا القرار؛ لأنه من المفترض في مثل هذا القرار أن يتم مناقشته من لجنة متخصصة، ويتم تقييم وضع المريض سريريا مرتين ليقرروا.
وبالنسبة لوضع هذا المريض، فإن وجود التشنجات تعني أنه في المرحلة الثانية، وليس الثالثة من نقص الأكسجين على الدماغ، وبالتالي قد يعيش بوضع جيد أيضا.
المشكلة أنني من كتب أمر الطبيب على الملف، لا أدري الآن إن كان اعتراضي سيغير أيَّ شيء؛ لأن رئيس القسم لم يكن مسلما، فمناقشته من ناحية دينية لن تفيد، ولكن هذا لا يعفيني من الخطأ. الإحساس بالندم يزعجني، واستغفرت الله كثيرا. فهل هناك أية كفارة لما فعلت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي ضوء ما ذكرته السائلة، لا نرى أنه يلزمها شيء في موت هذا المولود؛ لأنها كانت حديثة التخرج، وليست هي المسئولة عن القسم، ولا هي صاحبة قرار إزالة أدوية وأجهزة الإنعاش عنه.

والحكم على موت المريض بأنه من قتل الخطأ، يحتاج ثبوته إلى حكم أهل الخبرة بأن سبب موته هو إهمال الطبيب، أو تقصيره في أداء واجب المهنة.

ومن المقرر أن الأصل براءة الذمة حتى تعمر بيقين، وهذا ليس بحاصل في حال السائلة.

قال ابن حزم في المحلى: إن شكت أمات من فعلها أم من غير فعلها؟ فلا دية في ذلك، ولا كفارة؛ لأننا على يقين من براءتها من دمه، ثم على شك أمات من فعلها أم لا؟ والأموال محرمة إلا بيقين ... اهـ.

وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: لو شك هل لزمه شيء من ذلك، أو لزمه دين في ذمته ... فلا يلزمه شيء من ذلك؛ لأن الأصل براءة ذمته، فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد، إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ.

وقال الجويني في غياث الأمم: كل ما أشكل وجوبه، فالأصل براءة الذمة فيه، كما سبق في حقوق الأشخاص المعينين، فهذا منتهى المقصود فيما يتعلق بالأملاك من المعاملات، والحقوق الخاصة والعامة. اهـ.

هذا؛ مع مراعاة أن رفع أجهزة الإنعاش عن المريض يجوز في بعض الأحوال، سبق لنا بيانها في الفتوى: 176419.

وتقدير ذلك وتنزيله على الواقع يرجع فيه لأهل الاختصاص من الأطباء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني