الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على البنت طاعة والدها في ترك العمل؟

السؤال

عمري: 23 عامًا، عزباء، والداي منفصلان منذ سنوات، وأسكن مع أمي، وأخي، وأمي هي المعيلة لنا في المأكل، والمشرب، والمسكن، أما بقية أموري، فأنا أؤمنها لنفسي -بفضل من الله- وأتواصل مع أبي، وأزوره كل فترة، لكنه لا ينفق علي، وأنا الآن على مشارف الانتهاء من بكالوريوس التمريض، وأثناء التعليم كنت أعمل كطالبة في المستشفى بمعاش متوسط، علمًا أن عملي كانت تتخلله ورديات في كل الأوقات، والآن أستطيع -بإذن الله- العمل في المستشفى بمعاش أفضل كممرضة، لكن أخي يعارض ذلك، ويريدني أن أعمل بنصف وظيفة في المراكز، وهنالك فارق كبير في المعاش، وفرص التقدم بين المستشفى والمراكز -لصالح المستشفى- في البداية قال: إنه لا يجوز للمرأة العودة في الليل، وأن الأمر خطر، ثم قال بعدها: إنه لا يريد أن أكمل تعليمي، والآن يصرّح أن المرأة لا يجب أن تتقدم على الرجل، وتكسب الكثير من المال، زاعمًا أن النساء اللواتي يتقدمن في الدرجة العلمية، ويكسبن المال، لا يتزوجن إحصائيًا، ويقول: إنني مؤيدة للحركة النسوية، وهذا غير صحيح، فأنا أرغب في الزواج، وإنجاب الأطفال، ولكن لا يوجد من تقدم لي، فعمر الزواج قد تأخر في البلد عندنا، وهذا ليس حالي فقط، وليس الخطأ مني -كما يدعي- وأخي ترك تعليمه حديثًا، ولا يريد أن يعمل كأجير، بل يريد أن يصمم شيئاً عظيمًا، وهو يشتغل عليه الآن من المنزل، وأنا أعلم أن أخي غير متزن، ومتطرف في رأيه -بإجماع كل من سمع رأيه- وبدليل أنه هو من نصحني بالتمريض بداية، وقد عملت سابقًا في ساعات متأخرة، ولم يكن لديه اعتراض؛ لذلك لجأت لأبي، وقد أيدني بقوة في البداية، لكن أخي قوي اللسان، حيث أقنعه برأيه الذي ذكرته سابقًا، وقال لأبي: إن وافق لي على هذا العمل؛ فليتحمل مسؤوليتي، وأبي خمسيني، يثقل همه بسرعة، مع العلم أن هذه أمور وهمية، فأنا لست فتاة طائشة، وأخي غليظ اللسان، وعنيف في التعامل، وأنا لا أحادثه مؤخرًا أبدًا، وأود التنويه إلى أن أمي تعمل براتب قليل، ولا تستطيع أن تنفق وحدها على المنزل، وهو يطلب من أمي أن تقلل مصروفها على نفسها، وهكذا نستطيع أن نعيش، ويقول لها: إنها أنانية؛ لأنها تريد أن ترتاح على معاشي، وأمي ليست كذلك أبدًا، فهي من أفنت حياتها لأجلنا، وتنفق علينا منذ سنين، والآن يحق لها كامل الحق أن تستفيد من الثروة التي تعبت عليها، وهذا لا يزعجني أبدًا، أشعر أن أخي يظلمني، لذلك أحتاج الإرشاد من ذوي العلم والحكمة.
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على حرصك على التواصل مع أبيك، نسأل الله -عز وجل- أن يرزقك بره ورضاه، وفي رضا الوالدين رضا الرب -تبارك وتعالى- ثم إن عمل المرأة جائز إذا انضبط بالضوابط الشرعية، ولا سيما عملها في مجال التمريض للحاجة الشديدة لمثل هذا العمل، بالنسبة للمجتمع، وأمر تمريض النساء خاصة، وتراجع الفتوى: 123665.

وعودة المرأة من العمل في الليل لا يمنعها شرعًا من العمل إن كانت تأمن على نفسها في هذا الوقت، ومن الخطأ القول بأن المرأة ليس لها أن تكسب أموالاً كثيرة، أو ليس لها أن تتقدم علميًا، أو أن ذلك قد يسبب تأخير زواجها، بل قد يكون تعلم المرأة، وعملها من دواعي الزواج منها، ويرغب بعض الناس في مثلها، وخاصة في هذا الزمان الذي صعبت فيه أمور الحياة، ومعلوم أن المال مما يرغب الرجال في النساء، كما في الحديث النبوي: تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ. متفق عليه.

وقد كانت خديجة -رضي الله عنها- امرأة غنية، وغيرها كثير من النساء كذلك، وكانت امرأة ابن مسعود -رضي الله عنهما- تنفق على زوجها، وولده منها.

وهذا الكلام من أخيك قد يكون من منطلق شفقته عليك، وليس من أجل أن يمنعك شيئًا لك فيه الحق، فلا يمكن الجزم بأنه ظالم لك، وعلى كل: ينبغي أن تكثري من الدعاء له، بأن يصلح الله حاله، وإن كان على ما ذكرت من عدم الاتزان، والتطرف في الرأي، وأنه غليظ، وجافٍ في التعامل، فهجره لأذاه لك جائز، ولكن الأولى أن تراعي في ذلك المصلحة، فتتركي الهجر إن كان يزيده عنادًا؛ لأن الهجر تراعى فيه المصلحة، كما ذكر العلماء، وانظري الفتوى: 21837.

وإن كان أبوك قد منعك من العمل الذي ترغبين فيه، والذي هو الأفضل لك، فنوصيك بالجلوس إليه، والتفاهم معه بأدب واحترام، والاستعانة عليه بمن ترجين أن يستجيب لقوله، وعليك الدعاء بأن ييسر الله لك إقناعه، فإن اقتنع -فالحمد لله- وإلا فإن كان أمره لك بترك العمل بدافع الغيرة، والخوف عليك، فالواجب عليك طاعته، إلا إذا كنت في حاجة للعمل، لكونك غير مكفية بالنفقة، وراجعي الفتوى: 144133.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني