الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اتفاق الفقهاء على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم غير ولده لا رجوع فيه

السؤال

شخص توفي أخوه الأكبر، فقام بشراء قطعة أرض في مقبرة؛ لتكون مقبرة خاصة لأفراد عائلته، وعوائل إخوانه جميعا، ودفن فيها أخوه الأكبر بمبادرة منه شخصيا، وبطيب خاطر، وبدون طلب من أي أحد، وكان سعر الأرض حينها زهيدا، وكانت عائلة أخيه مكلومين، ومحزونين بمصاب وفاة والدهم، فلم يبلغهم بثمن شراء الأرض؛ لأن دافعه من وراء ذلك الأجر، والثواب، ولم يطلب منهم المبلغ رغم قدرتهم على تسديده، وطلب أن تسجل الأرض باسم ابن أخيه المتوفى الأكبر. طوال 20 عاما بعد هذه الحادثة، لم يطلب هذا الشخص من ابن أخيه استرداد الأرض، ولم يطلب منهم ثمنها، ولكن حدثت مشاكل بين هذا الشخص، وإخوانه،
ومن ضمنهم أولاد أخيه المتوفى المدفون في هذه الارض، عندها طلب هذا الشخص من ابن اخيه استرداد الأرض؛ لكونه لا يريد أن يدفن فيها أي شخص من إخوانه الذين لديه خلاف معهم، وكذلك أولادهم، وعرض عليه أولاد أخيه المدفون في الأرض أن يتناصفوا الأرض معه، ويسددون له قيمة النصف؛ لكي يدفنوا قرب أبيهم، ولكنه يرفض عنادا لهم، ويقول لهم: لن تبرأ ذمتكم إذا دفنتم بها، أو سمحتم لأي من إخواني الذين هم على خلاف معي أن يدفنوا بها،
ويقول: بأن أخاه المدفون بها لا تبرأ ذمته أمام الله إذا لم يعد أولاده الأرض إلى عمهم صاحب الأرض، بالرغم من أن أباهم ليس له ذنب بسبب هذا الأمر؛
لأن أخاه دفن حينها في الأرض بطيب خاطر منه. هل يجوز لهذا الشخص التراجع عن فعل الخير الذي فعله قبل 20 عاما لأخيه الأكبر المدفون بالأرض.
علما أن أخاه الأكبر كان بمثابة الأب له، وكان يصرف عليه طوال دراسته الجامعية حتى تخرج مهندسا، وكان يقدم له العون في أمور كثيرة.
فهل يجب على ابن أخيه الأكبر إرجاع الأرض إلى عمه؟ رغم يقينهم بأن هدف عمهم من ذلك حرمانهم من الدفن قرب أبيهم،
وخوفهم من نقل جثمان أبيهم من قبل عمهم إلى مكان آخر خارج هذه الارض.
أفتونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالفصل في الحقوق المتنازع عليها محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها من مجالس التحكيم، وذلك؛ لقدرتها على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك. وأما المفتي، فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ومع ذلك ففتياه لا ترفع النزاع في مسائل الخلاف، بخلاف القاضي، أو المحكَّم فحكمه يرفع النزاع، وينهي الخصومة، لكونه ملزما للطرفين.

والذي يمكننا إفادة السائل به على وجه العموم أن الهبة إن صحت، وحازها الموهوب له، صارت ملكه، ولا يجوز للواهب الرجوع فيها عند جمهور العلماء. وإن كان الموهوب له من أرحامه المحرمين، فقد اتفق الأئمة على أنه لا يجوز الرجوع فيها، إلا الوالد لولده، قال ابن قدامة في «المغني»: حصل الاتفاق على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم غير ولده، لا رجوع فيه. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 118975، و 341086.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني