الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعنى الجامع لحسن الخلق

السؤال

هل أُعَدُّ ممن حسنت أخلاقهم إذا عاملت الناس بأخلاق حسنة، واجتهدت في ذلك، ولكن لم آمر بالمعروف ولم أنْهَ عن المنكر، حيث إنها من ضمن حسن الخلق؟ أعلم أن ذلك فرضًا، ولكني أحيانًا أتركه، وسأحاول في هذا الأمر إن شاء الله. وأسأل الله أن يجعلني ممن حسن خلقه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ثبت الحث على التخلق بحُسنِ الخلق. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس. رواه الإمام مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. قال العجلوني في كشف الخفاء: رواه أحمد، والحاكم، وقال: على شرطهما، والبيهقي، والترمذي عن أبي ذر ومعاذ، وقال الترمذي: حسن صحيح. اهـ.

وحسن الخلق يجمع كثيرًا من خصال الخير، وليس مقصورًا على معاملة الناس بأخلاق حسنة.

قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين حديثًا النووية: قوله صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق" يعني: أن حسن الخلق أعظم خصال البر؛ كما قال: "الحج عرفة" أما البر: فهو الذي يبر فاعله، ويلحقه بالأبرار، وهم المطيعون لله -عز وجل-، والمراد بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرفق في المحاولة، والعدل في الأحكام، والبذل في الإحسان، وغير ذلك من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... إلى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً. وقال تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ... إلى قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. وقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ... إلى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. وقوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً... إلى آخر السورة.

فمن أشكل عليه حاله، فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميعها علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون البعض، فليشغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده، ولا يظن ظان أن حسن الخلق عبارة عن لين الجانب، وترك الفواحش والمعاصي فقط، وأن من فعل ذلك فقد هذَّب خلقه، بل حسن الخلق ما ذكرناه من صفات المؤمنين، والتخلق بأخلاقهم، ومن حسن الخلق احتمال الأذى. اهـ.

وفي دليل الفالحين شرح رياض الصالحين أثناء الحديث عن حسن الخلق: (وبذل المعروف) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة للكلمة الطيبة باللسان، وبذل الندى، والإحسان باليد، وغير ذلك من صنائع المعروف (وكف الأذى) من قول وفعل عن الناس. وقد جمع جماعة محاسن الأخلاق في قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199) وقيل: حسن الخلق احتمال المكروه الذي ينزل به بحسن المداراة، بترك حظه من الدنيا، وتحمل الأذى من غير إفراط ولا تفريط.

وقال الحافظ: حسن الخلق اختيار الفضائل، وترك الرذائل، وقال السيوطي: قال الباجي: هو أن يظهر منه لمن يجالسه أو ورد عليه البِشر، والحلم، والإشفاق، والصبر على التعليم، والتودد إلى الصغير والكبير، والله تعالى أعلم. اهـ.

وعن أهمية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وشروطهما راجعي الفتوى: 255295.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني