الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خيار المجلس.. المثبتون والمانعون

السؤال

ما هو دليل المالكية في قولهم(بأن الافتراق بين المتبايعين لفظي وليس بالأبدان)؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في خيار المجلس.

فذهب جمهور الفقهاء ومنهم الشافعية والحنابلة إلى اعتباره، فلا يلزم العقد عندهم إلا بالتفرق عن المجلس أو التخاير واختيار إمضاء العقد.

وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم اعتبار خيار المجلس، وهو قول الثوري والليث والعنبري.

استدل القائلون باعتبار خيار المجلس بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار. متفق عليه.

وفي رواية: ما لم يتفرقا أو يكون البيع خياراً. وفي رواية: أو يخير أحدهما الآخر.

ووجه الاستدلال إثبات الخيار من الشرع للمتبايعين، وهما متبايعان بعد تمام البيع بالإيجاب والقبول. أما قبل ذلك فهما متساومان فبطل ما أجاب به الآخرون من أن المراد بالمتبايعين المتساومان. والحديث يشمل ما في معنى البيع من عقود المعاوضة.

واستدلوا بقول ابن عمر: كانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا. رواه البخاري معلقاً ووصله البيهقي والإسماعيلي، وقول الصحابي من السنة كذا له حكم الحديث المرفوع.

واستدلوا أيضاً بحديث: أنه صلى الله عليه وسلم خير أعرابياً بعد البيع. رواه الترمذي.

وفي رواية: أنه عليه الصلاة والسلام بايع رجلاً فلما بايعه قال له: اختر، ثم قال: هكذا البيع.

واستدلوا أيضاً بحاجة الناس الداعية إلى مشروعيته، لأن الإنسان بعد أن يبيع شيئاً قد يبدو له فيندم، فبالخيار الثابت له في المجلس يمكنه التدارك.

واستدل الآخرون: بقوله تعالى: لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ.

فهذه الآية أباحت أكل المال بالتجارة عن تراض، مطلقاً عن قيد التفرق عن مكان العقد، ويترتب عليه جواز الأكل في المجلس قبل التفرق أو التخاير، وعند القائلين بخيار المجلس إذا فسخ أحدهما العقد في المجلس لا يباح له الأكل، فكان ظاهر النص حجة عليهم.

واستدلوا بقوله تعالى: أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ. فإذا لم يقع العقد لازما لم يتحقق وجوب الوفاء به.

واستدلوا برواية: فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يسقيله، حيث تدل على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة.

واستدلوا بحديث: المسلمون على شروطهم، والقول بالخيار بعد العقد يفسد الشرط، مع أن الحديث يعتبر الشروط.

واستدلوا بقياس البيع ونحوه من المعاملات المالية في هذا على النكاح، والخلع، والكتابة، وكلها تتم بدون خيار المجلس فكذلك البيع.

كما قاسوا ما قبل التفرق على ما بعده.

ومن أدلتهم: إن خيار المجلس خيار بمجهول، فإن مدة المجلس مجهولة، فأشبه ما لو شرطاً خياراً مجهولاً، وهذه جهالة فاحشة ممنوعة في الشرع.

ولكن الأدلة كلها لا يمكن أن يدفع بها الحديث الصحيح المتقدم، فما كان منها نصاً نحو: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، فإنها عمومة والحديث السابق مخصص لها، وما كان منها مجرد قياس فهو قياس فاسد الاعتبار لمصادمته للنص.

قال صاحب المراقي وهو مالكي:

والخلف للنص أو إجماع دعا فساد الاعتبار كل من وعى.

هذا؛ واعلم أن من أصحاب مالك من خالفه في هذه المسألة وأقسم بالمشي إلى بيت الله على رجليه إن هو أفتى فيها بمذهب مالك كعبد الحميد الصائغ رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني