أجعل الآلهة إلها واحدا بأن نفى الألوهية عنها وقصرها على واحد، فالجعل بمعنى التصيير، وليس تصييرا في الخارج بل في القول، والتسمية كما في قوله تعالى: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وليس ذلك من باب إنكار وحدة الوجود في شيء ليقال: إن الله سبحانه نعى على الكفرة ذلك الإنكار، فتثبت الوحدة، فإنه - عليه الصلاة والسلام - ما قال باتحاد آلهتهم معه - عز وجل - في الوجود، إن هذا لشيء عجاب أي بليغ في العجب، فإن فعالا بناء مبالغة، كرجل طوال وسراع، ووجه تعجبهم أنه خلاف ما ألفوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على تعدد الآلهة، وواظبوا على عبادتها، وقد كان مدارهم في كل ما يأتون ويذرون التقليد، فيعدون خلاف ما اعتادوه عجيبا، بل محالا، وقيل: مدار تعجبهم زعمهم عدم وفاء علم الواحد، وقدره بالأشياء الكثيرة، وهو لا يتم إلا إن ادعوا لآلهتهم علما وقدرة، والظاهر أنهم لم يدعوهما لها، " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " .
وقرأ كرم الله تعالى وجهه علي والسلمي ، وعيسى "عجاب" بشد الجيم وهو أبلغ من المخفف، وقال وابن مقسم "عجاب" لغة مقاتل أزد شنوءة.
أخرج أحمد، ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وصححه، والترمذي ، والنسائي وغيرهم، عن وابن جرير، قال: ابن عباس لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل، فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل، ويقول، ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل البيت، وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس، فخشي أبو جهل إن جلس إلى أبي طالب أن يكون أرق عليه، فوثب، فجلس في ذلك المجلس فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أي ابن أخي، ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها يدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، ففرحوا لكلمته، ولقوله، فقال القوم: ما هي؟ وأبيك لنعطينكها، وعشرا، قال: لا إله إلا الله، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون: أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب.
وفي رواية: أنهم قالوا: سلنا غير هذا، فقال - عليه الصلاة والسلام - "لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها"، فغضبوا، وقاموا غضابا، وقالوا: والله لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا.