وقال : انتصب الكسائي رجلا على إسقاط الخافض أي مثلا في رجل، وقيل: غير ذلك، وقد تقدم الكلام في نظيره.
و فيه خبر مقدم، و شركاء مبتدأ، و متشاكسون صفته، والنكرة وإن وصفت يحسن تقديم خبرها.
والجملة صفة رجلا والرابط الهاء أو الجار والمجرور في موضع الصفة له، و شركاء مرتفع به على الفاعلية، لاعتماده على الموصوف، وقيل: فيه صلة شركاء، وهو مبتدأ خبره متشاكسون، وفيه أنه ليس لتقديمه نكتة ظاهرة.
والمعنى: ضرب الله تعالى مثلا للمشرك حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل من معبودية عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة متشاجرون لشكاسة أخلاقهم، وسوء طبائعهم يتجاذبونه، ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره، وتوزع قلبه، ورجلا أي وضرب للموحد مثلا رجلا، سلما أي خالصا، لرجل فرد ليس لغيره سبيل إليه أصلا، فهو في راحة عن التحير، وتوزع القلب، وضرب الرجل مثلا، لأنه أفطن لما شقي به، أو سعد، فإن الصبي، والمرأة قد يغفلان عن ذلك.
وقرأ عبد الله، ، وابن عباس ، وعكرمة ومجاهد ، ، وقتادة ، والزهري بخلاف عنه، والحسن والجحدري ، ، وابن كثير ، "سالما" اسم فاعل من سلم، أي خالصا له من الشركة. وقرأ وأبو عمرو "سلما" بكسر السين وسكون اللام، وقرئ "سلما" بفتح فسكون، وهما مصدران، وصف بهما مبالغة في الخلوص من الشركة. ابن جبير
وقرئ "ورجل سالم" برفعهما، أي وهناك رجل سالم، وجوز أن لا يقدر شيء، ويكون رجل مبتدأ، وسالم خبره، لأنه موضع تفصيل، إذ قد تقدم ما يدل عليه فيكون كقول امرئ القيس :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له بشق وشق عندنا لم يحول
وقوله تعالى: هل يستويان مثلا إنكار واستبعاد لاستوائهما، ونفي له على أبلغ وجه وآكده، وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما، أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة [ ص: 263 ] أن أحدهما في لوم وعناء، والآخر في راحة بال ورضاء، وقيل: ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين، والآخر في أسفل سافلين، وأيا ما كان، فالسر في إبهام الفاضل والمفضول الإشارة إلى كمال الظهور عند من له أدنى شعور.
وانتصاب مثلا على التمييز المحول عن الفاعل، إذ التقدير: هل يستوي مثلهما وحالهما، والاقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس والاقتصار عليه أولا في قوله تعالى: ضرب الله مثلا وقرئ "مثلين" أي هل يستوي مثلاهما وحالاهما، وثني مع أن المقصود من التمييز حاصل بالإفراد من غير لبس لقصد الإشعار بمعنى زائد، وهو اختلاف النوع، وجوز أن يكون ضمير يستويان للمثلين، لأن التقدير فيما سبق مثل رجل، ومثل رجل، أي هل يستوي المثلان مثلين، وهو على نحو: كفى بهما رجلين، وهو من باب: لله تعالى دره فارسا، ويرجع ذلك إلى هل يستويان رجلين فيما ضرب من المثال، ولما كان المثل بمعنى الصفة العجيبة التي هي كالمثل كان المعنى: هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية، وقوله تعالى: الحمد لله تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى، وأنها نعمة جليلة تقتضي الدوام على حمده تعالى وعبادته، أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء، صنع جميل ولطف تام منه - عز وجل - مستوجب لحمده تعالى وعبادته، وقوله تعالى: بل أكثرهم لا يعلمون إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس، وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره، أو ليسوا من ذوي العلم، فلا يعلمون ذلك، فيبقون في ورطة الشرك والضلال، وقيل: المراد أنهم لا يعلمون أن الكل منه تعالى، وأن المحامد إنما هي له - عز وجل - فيشركون به غيره سبحانه، فالكلام من تتمة الحمد لله ولا اعتراض، ولا يخفى أن بناء الكلام على الاعتراض كما سمعت أولى،