[ ص: 5540 ] بسم الله الرحمن الرحيم
52- سورة الطور
قال المهايمي : سميت به لأنه لما تضمن تعظيم مهبط الوحي، فالوحي أولى بالتعظيم، فيعظم الاهتمام بالعمل، لا سيما وقد عظم مصعد العمل وثمرته. وهذا من أعظم مقاصد القرآن وهي مكية، وآيها تسع وأربعون.
روى الشيخان عن ومالك قال: جبير بن مطعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.
وروى عن البخاري: قالت: أم سلمة شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشتكي! فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة. فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتاب مسطور.
[ ص: 5541 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[1 - 6] والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور .
والطور أي: طور سينين: جبل بمدين، سمع فيه موسى صلوات الله عليه كلام الله تعالى، واندك بنور تجليه تعالى.
وكتاب مسطور أي: مكتوب، والمراد به القرآن، أو ما يعم الكتب المنزلة.
في رق منشور متعلق بـ: مسطور أي: وكتاب سطر في ورق منشور يقرأ على الناس جهارا، و (الرق) الصحيفة أو الجلد الذي يكتب فيه.
والبيت المعمور أي: الذي يعمر بكثرة غاشيته، وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمار والطائفين والعاكفين والمجاورين. وروي أنه بيت في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبدا. والأول أظهر، لأنه يناسب ما جاء في سورة (التين) من عطف البلد الأمين على طور سينين والقرآن يفسر بعضه بعضا؛ لتشابه آياته وتماثلها كثيرا، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب.
[ ص: 5542 ] قال المهايمي : أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي؛ لأنه محل أعظم الأعمال المقصودة منه، ولأنه مظهر الوحي ومصدر الرحمة العامة المهداة للعالمين؛ ولأنه أجل الآيات وأكبرها، كما دل عليه آية أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم وآيات أخر.
والسقف المرفوع يعني السماء؛ وجعلها سقفا لأنها للأرض كسماء البيت الذي هو سقفه.
والبحر المسجور أي: المملوء، أو الذي يوقد أي: يصير نارا. كقوله وإذا البحار سجرت قال : والأول أولى، أعني: أن معناه البحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض؛ لأن الأغلب معاني (السجر) الإيقاد أو الامتلاء، فإذا كان البحر غير موقد اليوم، ثبتت له الصفة الثانية وهو الامتلاء، لأنه كل وقت ممتلئ، ولا تنس ما قدمناه في أوائل (الذاريات) من أن هذه الأقسام كلها دلائل أخرجت في صورة الإيمان. ابن جرير