الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح]

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح، أو طلقة بائنة، أو طلقة لا رجعة فيها، فقيل في قوله طلاق الصلح هي ثلاث; لأن طلاق الصلح بائن، والبينونة لا تصح بواحدة إلا أن يكون معها فداء، وقيل: واحدة رجعية؛ لأنه إنما التزم من العدد واحدة، فلا يلزم أكثر منها، وله الرجعة; لأن سقوطها إنما يكون مع الفداء أو ما يمنع من ذلك لحق الزوجة، مثل أن يطلق لعدم النفقة أو لعيب يحدث به، ولا تصح الرجعة مع بقاء الوجه الذي لأجله وقع الطلاق، وقيل: هي طلقة بائنة حسب ما نوى؛ لأن الرجعة من حقه، فإذا أسقط عنها حقه فيها لزمه، وهو أبين.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن قال: أنت طالق طلقة بائنة: إنها تبين بثلاث.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: أخبرني ابن وهب، أو أخبرت عنه أن مالكا سئل عنها فقال: هي واحدة وله الرجعة، وبه أخذ ابن عبد الحكم.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يسأل ما أراد بقوله بائنة، فإن قال: أردت الصفة للطلاق، وأنها فعلة تبين بها كانت ثلاثا، وإن قال: أردت من العدد واحدة عاد الجواب، إلا ما تقدم فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح، وقال فيمن قال: أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة لي عليك فيها، ولا ينوي الثلاث، كانت واحدة وله الرجعة. [ ص: 2757 ]

                                                                                                                                                                                        وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته باطل، يريد أن ذلك سواء قال ذلك قولا أو نواه.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: إذا قال: أنت طالق ولا رجعة لي عليك فله الرجعة، وقال ابن عبد الحكم: إذا قال: أنت طالق لا رجعة لي عليك كانت البتة، وإن قال: ولا رجعة لي كانت له الرجعة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما قوله طلقة ينوي لا رجعة لي فيها، أو قال ذلك نطقا، فهو بمنزلة من قال: أنت طالق طلقة بائنة; لأن ذلك صفة للطلقة، وأما قوله: لا رجعة لي عليك، أو ولا رجعة لي عليك، فليس بصفة للطلقة، وإنما أسقط حقه في الرجعة، ولو قال: أنت طالق طلاقا لا رجعة فيه لكانت ثلاثا قولا واحدا; لأن الطلاق يعبر به عن الواحدة والثلاث، فإذا قال: طلاق لا رجعة فيه كانت صفة للطلاق أنه ثلاث.

                                                                                                                                                                                        والظاهر من المذهب فيمن طلق زوجته واحدة ثم قال لها بعد ذلك: أسقطت عنك حقي في الرجعة، أو لا رجعة لي عليك، أن له الرجعة، وقوله ذلك ساقط، والقياس ألا رجعة له; لأن الرجعة حق له على الزوجة، فإذا أسقط حقه عنها لزمه كسائر الحقوق. [ ص: 2758 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن قال: أنت طالق أبدا: فهي البتة، ويتزوجها بعد زوج إلا أن يريد كلما تزوجتك.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وكذلك الذي يقول: أنت طالق كل يوم أتزوجك أبدا، وإن قال: إن تزوجتك أبدا فأنت طالق لا شيء عليه إلا مرة واحدة، وإن قال: إن تزوجتك فأنت طالق أبدا كانت البتة، وإن قال: كلما تزوجتك لم تحل أبدا، ووقف محمد في قوله: أنت طالق أبدا. [ ص: 2759 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية