الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب جامع

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن باع زوجته، فقال مالك في المبسوط: ينكل نكالا شديدا، وتطلق عليه بواحدة، وليس له أن يرتجعها، ولا يتزوجها، ولا غيرها حتى تعرف منه التوبة والصلاح، مخافة إن تزوجها أو غيرها أن يبيعها، ولم يجعل بيعه لها طلاقا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع: هي طلقة بائنة، قال سحنون: غاب عليها أو لم يغب، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ في كتاب محمد: حرمت عليه كالموهوبة، قال محمد: وهذا أحب إلينا من قول ابن القاسم، وقال ابن القاسم في العتبية: بيعه طلاق، قال ابن وهب: وترجم إن أقرت أن المشتري أصابها طائعة، وإن ادعت الإكراه لم ترجم. وقول مالك لا يكون البيع طلاقا أحسن، إلا أن يكون نوى ذلك; لأن البيع إنما يتضمن التمكن منها، ولا خلاف فيمن مكن من زوجته من غير بيع أن ذلك ليس بطلاق، وقد يبيعها ويواطئها أن تهرب إليه، أو يجعلها تثبت حريتها.

                                                                                                                                                                                        ويختلف أيضا إذا زوجها على مثل ذلك، وقال ابن القاسم فيمن قال لزوجته: اذهبي فتزوجي فلا حاجة لي بك، أو قال لأمها: زوجي ابنتك فلا حاجة لي بها، فلا شيء عليه ما لم يرد بلفظه ذلك طلاقا، وقاله أصبغ، فإن [ ص: 2760 ] هي زوجتها بعد وفاء عدتها من يوم قال ذلك بحضرتها وعلمها، فقد بانت منه، ولا يقبل قوله إن قال: لم أرد طلاقا، وقال محمد: لا يعجبني قول أصبغ، إلا أن يكون الزوج يعلم أن ذلك ليس بطلاق فألزم ذلك نفسه، فأما إن ظن أن ذلك طلاق فتركها حتى اعتدت لم يضره إلا أن يتزوجها غيره أو يقول: أردت بذلك الطلاق فلزمه، إلا أن تتزوج بعلمه وتسليمه، فيلزمه الطلاق ويفسخ نكاح الثاني; لأنه إذا لم ألزمه الطلاق ألا يتزوجها بالعدة من يوم تزوجت.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن حلف للسلطان طائعا في أمر فقال: امرأتي طالق إن كذا وكذا، لأمر كذب فيه، وأتى مستفتيا وزعم أنه أراد امرأة كانت له قبل ذلك، وألغز على السلطان بيمينه قال: لا ينفعه ذلك، وامرأته طالق.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم فيمن قال: حكمة الطلاق، وله زوجة تسمى حكمة، وجارية تسمى حكمة، وقال: أردت جاريتي، كان القول قوله إذا لم تكن عليه بينة قال: وليست كمسألة مالك؛ لأن هذا إنما سمى حكمة، والآخر قال: امرأتي، فأضاف الأمر إلى نفسه، وقول مالك: إنه حانث، يحتمل أن يكون ذلك لأنه رأى أن اليمين على نية المحلوف له، وأنه أطاع باليمين في أمر نجا به [ ص: 2761 ] لو لم يحلف لطلبه السلطان بما حلف عليه، وكان طلبه إياه في حق، ولو كان في باطل وفي أمر لم يلزمه لكان مكرها، أو لأنه رآه طلاقا بلفظ دون نية فألزمه إياه، كالذي أراد أن يقول: ادخل الدار فزل لسانه فقال: امرأتي طالق، وإنما لم يصدق مع البينة; لأنه أتى بما لا يشبه; لأن الجارية لا تطلق، ولو كانتا زوجتين تسمى كل واحدة منهما حكمة لصدق، وإن كانت عليه بينة.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في كتاب الإقرار الثاني فيمن حلف بطلاق امرأته عائشة فحنث، فرفع أمره إلى السلطان فأقر وقال: لي امرأة أخرى تسمى عائشة غائبة والغائبة أردت، فقال: إن علم ذلك دين، وإن لم يعلم حيل بينه وبين الحاضرة، وحكم بفراقها واعتدت وتزوجت سواه إن شاءت. فإن تبين بعد ذلك صدقه قبلت نيته وردت إليه التي طلقت عليه.

                                                                                                                                                                                        وقوله: تطلق عليه مع إمكان صدقه ليس بحسن، وأرى أن يحال بينه وبين هذه ويكتب إلى الموضع الذي قال، فإن تبين صدقه قبل قوله وبقيت هذه زوجة، وإن تبين كذبه طلقت عليه هذه.

                                                                                                                                                                                        تم كتاب التخيير والتمليك، والحمد لله حق حمده

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية