الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن فلس وله مالان حاضر وغائب، أو كان له، أو بيده قراض، وهل يعجل مال قسمة مال المفلس

                                                                                                                                                                                        وإذا كان للمفلس مالان حاضر وغائب وليس في الحاضر وفاء بما عليه، والغائب قريب الغيبة وفيه وفاء لم يفلس، فإن شك في قدره أو وجوده لم يعجل تفليسه، وكتب في غائبه، فإن كان موجودا وفيه وفاء لم يفلس، وإن كان غائبه بعيد الغيبة وشك في قدره أو وجوده لحالة طرأت هناك أوجبت شكا فلس لجميعهم ولم يوقف لاختبار ماله هناك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان فيه وفاء ومعلوم الوجود، فقال ابن القاسم: لا يفلس ويقضي الذين حلت ديونهم، وليس لمن وجد سلعته أن يأخذها ويترك الآخرون إلى حلول ديونهم، وقال أشهب: يفلس، وإن علم ملاؤه قال: ولو كان رجل حاضر بمصر وله مال بالأندلس ولا يدري ما حدث على ماله أليس بفلس، وبه أخذ أصبغ ، قال: أو يكتب بفلسه حتى يستتم عليه . [ ص: 3139 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا تباين البلدان مثل مصر والأندلس فتفليسه أحسن، وكذا إذا لم يكونا على ذلك من البعد إلا أنه لا يقدر على القضاء من الغائب عند حلول الأجل، وإن كان يقدر على القضاء منه حتى كتب فيه وأتى به عند حلول الأجل أو بعده بالشيء اليسير لم تحل ديونه; لأن محمل الغائب على السلامة والتلف نادر، ثم ينظر فيما حل من ديونه، فإن كان في يديه كفاف له لم يفلس لهم، وإن لم يكن فيه وفاء فلس لهم ، وكان لمن وجد سلعته أن يأخذها إذا كان ثمنها حالا، ويكون مفلسا لمن حل دينه غير مفلس لمن لم يحل دينه ، وإذا كان الحكم فلسه لجميعهم وفلس كان من حقهم أن يكتب لهم بما كان من فلسه، وما يثبت لهم من الديون، وبما ناب كل غريم في المحاصة ثم ينظر في غائبه، فإن لم يكن فيه وفاء استتم فلسه حسب ما فعل لحاكم الأول ودخل معهم من لم يحل دينه، وعلى هذا محمل قول أصبغ، وإن كان فيه وفاء وكان بلوغ البلد قبل حلول ما عليه لم يعجل دينه، وكان من حق الغريم إن كان حاضرا هناك أن يقبض ماله وينتفع به إلا أن يكون المؤجل عرضا أو طعاما مما الحكم أن يقضى بالبلد الأول، وإن من حق [ ص: 3140 ] الطالب أن يقوم بقدر حقه ويتوخى سعره بالبلد الذي يقضى به ويبعثه الحاكم لمن يقوم بالقضاء إذا حل الأجل.

                                                                                                                                                                                        وإن وجد على الغريم دين بالبلد الآخر وليس في ذلك المال ما يوفي بالدينين بدئ الآخرون فيأخذون جزءا مثل الجزء الذي أخذه من قبل نصفا أو ثلثا أو غيره، وما فضل تحاصوا فيه، وإن لم يكن في الغائب ما يوفي بمثل ذلك الجزء، رجع هؤلاء على الأولين حتى يساووهم إلا أن يكون هذا الدين مستحدثا بعد الفلس فيكون للأولين إذا كان المال متقدما حين فلسه، وإن كان محدثا من هذه المعاملة تحاصوا فيه دون الأولين، وإن كان من هبات أو ميراث دخل فيه جميعهم والحكم فيمن فلس وهو حاضر وماله غائب، أو كان غائبا بالبلد الذي فيه ماله أو بغير البلد سواء.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية