الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الأجير يموت مستأجره أو يفلس]

                                                                                                                                                                                        فإن فلس الذي استأجره كان الأجير أحق في الفلس والموت، وهذا للعادة، ويختلف إذا لم تكن عادة هل يكون أحق بصنعته لأنها بيده، ولم يسلمها أو يكون أسوة لأنه سلمها في الثوب، وفاتت فيه، ويختلف أيضا إذا مات ولم [ ص: 3181 ] يكن عادة هل يكون أحق بصنعته، وإن كان الفلس قبل أن يعمل كان بالخيار بين أن يفسخ الإجارة أو يعمل ويكون أسوة وليس له أن يعمل ليكون شريكا بصنعته.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا عمل وسلم ذلك إلى ربه فقال ابن القاسم في العتبية إذا كان ذلك مثل الخياطة والقصارة والصبغ كان أسوة، وقال أيضا هو أحق بصنعته، ويكون شريكا بها. واختلف بماذا يشارك، فقيل: بقيمة الصنعة، وقيل: بما زاد، فإن لم يزد كان أسوة لأنه لا يختار إذا لم يزد إلا التسليم والحصاص.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: هو أحق بما زادت قيمة الصبغ ويكون شريكا به، وما بقي له حاص به، وأرى أن يكون أحق لصنعته; لأن المشترى هو الموجود من الخياطة والصبغ، وهو قائم لم يفت، ولو ضاع الثوب بعد الخياطة ، والصبغ وقبل أن يسلم كانت المصيبة منه لأنه في معنى الشيء القائم، ويكون شريكا بما زادت الصنعة ليس بقيمتها; لأن الثوب هو الأصل، وهو المقصود بالشراء وكثيرا ما يكون الصبغ غير مقصود بالشراء، ولو كان أبيض لكان أثمن، فإنما يكون للصبغ ما زاد، وأما الخياطة فهو أشبه أن يكون شريكا بقيمتها لأنه لو قام بعد القطع وقبل الخياطة لأخذ بجميع الثمن ولم يحط لأجل القطع شيء، وإذا كان ذلك فالخياطة تزيد على قيمته مقطوعا، ولا يشترى إلا ليخاط

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية إذا أخرج الصانع من عنده شيئا سوى عمله [ ص: 3182 ] فأدخله في عمله مثل الصباغ أدخل الصبغ والصيقل إذا أدخل متاع السيف، والفراء يسترقع الفرو فيجعل من عنده الجلود، فإن أدركوا السلعة قائمة نظر إلى قيمة الثوب مرقوعا وغير مرقوع فيكون شريكا بذلك ، وكذلك إذا تناصفت الخياطة والرقاع، وإن كانت الخياطة الأكثر كان أسوة في الجميع.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في الخياط والعمال يستعملون الثوب فيستعملون هم غيرهم، فإن أرباب المتاع يأخذونه فلا غرم عليهم إن كانوا دفعوا أجرة ذلك إلى الأول، ويتبع الثاني الأول هذا يصح على القول أن الصنعة قد سلمت إلى رب الثوب، ولو ضاع ببينة كانت له الأجرة، وهو قول محمد ، وأنه لو سلم الصانع الثوب كان أسوة على ما قال ابن القاسم في كتاب الرواحل إذا ضاع ببينة كانت المصيبة من الصانع، وأنه لو سلمه لكانت كالقائمة ولو سلم الثوب كان أحق بصنعته، يكون ها هنا الصانع الثاني أحق بصنعته لأنها قائمة بعده، ويختلف إذا اشترى ثوبا وخاطه ثم فلس وهو بيد المشتري ولم يكن دفع الثمن ولا الأجرة هل يكونان أحق به، وتكون شركة بينهما، أو يكونان أسوة أو يكون البائع أحق به والصانع أسوة، وأن يكونا أحق في الجميع أحسن، وقد تقدم الاختلاف فيمن باع ثوبا ففلس [ ص: 3183 ] المشتري بعد أن صبغه، هل يكون أحق به، وفي الصانع هل يكون أحق بصنعته، وإن الصواب في كل واحد منهما على الانفراد أنه أحق، فكذلك إذا اجتمعا هما أحق، ويكونان شريكين، وإن فلس المشتري والثوب في يد الصانع كان البائع بالخيار بين أن يدفع إلى القصار أجرته ويكون أحق بثوبه، قال أشهب: ويحاص، بما دفع إلى الصناع يريد: ويكون المشتري شريكا بالصنعة في الثوب ، فأرى أن يكون أحق بالصنعة لأنه متعد فيحل محل الصانع، وقد اختلف فيمن أراد أن يأخذ سلعته في الفلس فدفع إليه أحد الغرماء الثمن هل يكون أحق في ثمنها حتى يستوفي ما دفع إلى البائع، وأن يبرأ أحسن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية