الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن اكترى دارا شهورا فسكن للأهلة أو لغير الأهلة، أو اكتراها سنين فمنعه المكري بعضها، أو سكن معه طائفة منها، وغير ذلك

                                                                                                                                                                                        ومن اكترى دارا شهرا فابتدأه بالهلال، فإن كان تسعة وعشرين يوما، لم يكن له سوى ذلك، وإن ابتدأ السكنى لغير الهلال فكان الشهر الذي ابتدأ فيه تسعة وعشرين يوما، أتم من الثاني تمام ثلاثين يوما، وهذا قول مالك، فألزمه أتم الشهور، وإن كانت شهور السنة في التمام والنقصان سواء ستة أشهر تامة، وستة أشهر ناقصة، فلم يكن أحدهما أولى بالنقصان من الآخر.

                                                                                                                                                                                        وقد قال محمد بن عبد الحكم فيمن قال: لله علي صوم شهر، أنه يجزئه من ذلك تسعة وعشرون يوما، وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الصيام، وقول عبد الملك بن الماجشون فيه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آلى من نسائه شهرا فاكتفى من ذلك بتسعة وعشرين يوما، فقيل له في ذلك، فقال: "إن الشهر تسعة وعشرون يوما".

                                                                                                                                                                                        واستحسن إن تشاحا أن يسكن تسعة وعشرين يوما ويزيد ليلة إن كان ابتدأ السكنى بالليل، وإن ابتدأ بالنهار زاد يوما دون ليلة فيكون ذلك [ ص: 5053 ] عدلا بينهما، ولو كان سكناه بعدما مضى من ذلك الشهر الشيء اليسير كاليوم واليومين ثم كان ناقصا، رأيت أن يكون له عدد ما مضى منه خاصة; لأنه في معنى من ابتدأه من أوله.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن اكترى دارا ثلاث سنين فمنعه المكري سنة منها: إنه يسقط عنه كراء تلك السنة، إذا كان الكراء لا يتغابن فيه، فإن كان فيه غبن على المكتري كان للمكري أن يأخذ منه ذلك الزائد، وهذا إذا أسكنها المكري، ولو أكراها كان المكتري مخيرا بين أن يفسخ عن نفسه كراء تلك السنة أو يأخذ قيمة كرائها إن كانت القيمة أكثر من المسمى، أو يأخذ ما أكراها به ويحاسبه من ذلك بالمسمى الذي كان أكرى به.

                                                                                                                                                                                        وإن أمكن صاحب الدار المكتري من السكنى وأخلى الدار له وكان الامتناع من المكتري، كان عليه كراء تلك السنين كلها إن أبقاها صاحبها خالية تلك السنين. وإن أكراها بأقل من المسمى، حلف أنه لم يفعل ذلك رضا بالإقالة وأن ذلك نظر له ليكون أخف فيما يغرمه. وإن أكراها بأكثر وقال: أكريتها لنفسي، كان له ذلك الزائد.

                                                                                                                                                                                        وإن قال للمكتري: سلم ذلك الزائد وإن أشهد عندما أمكنه منها ولم يسكنها أن ترك خصومته ليس رضا بالإقالة، كان ذلك له قولا واحدا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا سكن صاحب الدار طائفة منها، فقال المكتري: أنا [ ص: 5054 ] أعطيك حصة ما سكنت، إن ذلك له وإن كان سكناه لأنه لم يمكنه من ذلك المسكن، كان بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه ما ينوبه من ذلك المسكن، أو يأخذه بقيمة ذلك المسكن إن كانت قيمته أكثر من المسمى.

                                                                                                                                                                                        وإن كان قصد الإقالة فيه، سقط ما ينوبه من الثمن. وإن قال المكتري: ما تركته إلا لأطلبه بقيمة كرائه، حلف على ذلك وكان له فضل كرائه على المسمى. [ ص: 5055 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية