الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن اكترى أرضا على أن يغرسها فإذا انقضى الأجل كانت الشجر لصاحب الأرض

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن اكترى أرضا عشر سنين على أن يغرسها شجرا وسمينا الشجر على أن الثمرة للغارس، فإذا انقضى الأجل كانت الشجر لصاحب الأرض: لم يجز لأنه لا يدري بم أكرى أرضه ولا ما يسلم منها.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره: يدخل في بيع الثمر قبل بدو صلاحه وكراء الأرض بالثمرة. ولا يخلو من ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن يدخلا على أن يغرس الشجر على ملك الغارس، أو على ملك صاحب الأرض، أو بينهما الأمد، فيقولا: إذا خرج كانت الشجر لصاحب الأرض.

                                                                                                                                                                                        فإن شرطا أن يغرس على ملك صاحب الأرض، كان غرسها فوتا، وهي لصاحب الأرض وعليه قيمتها يوم غرست وقيمة سقيه وخدمته إلى يوم المحاكمة، ولصاحب الأرض على الغارس قيمة ما انتفع به من الثمر. وقيل: ليس بفوت والغرس على ملك الغارس; لأن شرطه أن ينتفع بثمراته تحجير، ولصاحب الأرض على الغارس قيمة ما نفعت الأرض الغرس وثمنه، وللغارس ثمرته إن كان أثمر.

                                                                                                                                                                                        ثم اختلف هل تكون له قيمته قائما أو مقلوعا؟ وقائما أحسن; لأنه غرسه بإذن المالك، ولو كان الحكم أن يعطي قيمته مقلوعا، لم أر أن يخرج إلا بعد تمام السنين المكتراة; لأن عليه في [ ص: 5104 ] إخراجه ضررا، كما قال في المساقاة سنين يعمل سنة: لا يخرج للمضرة في فسخ ذلك الآن. فكذلك هذا عليه مضرة في إخراجه، وأن يعطي قيمته مقلوعا مضرة لعظم نفقته ثم يبطل عليه عمله.

                                                                                                                                                                                        وإن غرسه على ملك نفسه، لم تتعلق قيمته بذمة صاحب الأرض بنفس الغرس، وعلى المكتري قيمة ما انتفع بالأرض والغرس إلى يوم يحكم به لصاحب الأرض، ثم يختلف هل تكون قيمته قائما أو مقلوعا؟ وقائما أحسن، وقد تقدم وجه ذلك; لأنه غرس بإذن المالك ليتبقى ذلك.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: اغرسها فإذا انقضى الأجل كانت لك ولم يزد على ذلك; كان محمله على أنها من الأول على ملك الغارس؛ لقوله: فإذا انقضت السنون كانت لك، فهي قبل الانقضاء له، فالجواب فيها على ما تقدم إذا قال: أنا أغرسها على ملكي، ويدخله على ما قال غير ابن القاسم بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه إذا انقضى الأجل وفيها ثمر لم يبد صلاحه، وكراء الأرض بالطعام إذا كانت الثمرة حينئذ تراد للأكل; لأن المفهوم من ذلك تسليم الشجر على ما هي عليه وليس أن يبقى له في الشجر حق.

                                                                                                                                                                                        ولو قال: أكريك عشر سنين على أن تبني فإذا انقضى الأجل كان البناء لك، جاز إذا وصف ذلك البناء; لأن الصفة تحصره، ويقدر على أن يأتي به على تلك الصفة، ومأمون سلامته من الغرر بتغير حدثه في مثل تلك المدة، وسواء قال: ابنه على ملكك أو على ملكي، ذلك جائز. ولم يجز ذلك في الغرس; لأنه إن وصف صفة لم يدر هل تأتي في ذلك الأجل على تلك الصفة أم لا.

                                                                                                                                                                                        ولو قال: على أن الأرض والبناء بيننا نصفين، جاز. ولا يجوز أن يقول: على [ ص: 5105 ] أن الأرض والغرس بيننا؛ للجهل بما يأتي عليه الشجر.

                                                                                                                                                                                        ولو لم يضرب في الغرس أجلا وقال: إذا بلغت كذا وكذا سعفة كانت الأرض والشجر بيننا، جاز ذلك. وأجاز ذلك أشهب وإن ضربا الأجل. ومنعه محمد بن عبد الحكم وإن لم يضربا أجلا، ورأى أن الغرر على حاله بمنزلة لو ضربا أجلا; لأنه لا يدري كيف يأتي، ولأن المعروف في الجعالة فيما يطول ويشغل عامله، أو كان فيما يملك من الأرضين وإن ترك العامل انتفع الجاعل، خلاف من اكترى أرضا عشر سنين فغرسها ثم استحقت فإنه [...] من إليه سقي يسقيه العشر سنين ثم يهدم؛ لأنه على ذلك بنى. [ ص: 5106 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية