الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في استحقاق الرهن]

                                                                                                                                                                                        يراعى في استحقاق الرهن ثلاث: هل هو مضمون أو معين؟ وهل استحق قبل القبض أو بعده؟ وهل غرمه الراهن أو لا؟

                                                                                                                                                                                        فإن كان غير معين فأتى الراهن برهن ورضي المرتهن ولم يقبضه حتى استحق، خير الراهن على أن يأتي بغيره.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا استحق قبل القبض، فقال سحنون: عليه أن يخلفه، وهو كموته. وقيل: لا يخلفه. والأول أصوب؛ لأن المرتهن رهن في الذمة، فإذا أعطاها لغيره بقي الرهن في الذمة على حاله، والغرور في المضمون وغيره سواء، فإن كان الرهن معينا واستحق قبل القبض، كان فيه قولان، فقال ابن القاسم: البائع بالخيار في سلعته بين أن يضمنها بغير رهن، أو يردها إن كانت قائمة، أو يأخذ قيمتها إن كانت فائتة، سواء أطاع الراهن برهن آخر أم لا .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون: وإن أطاع برهن آخر خير على قبوله، وإن لم يطع كان بالخيار في سلعته.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول مالك لا يكون له مقال في سلعته، ولا في قيمتها إن فاتت، ولا في رهن ولا في غيره؛ لأنه قال: إن تعدى الراهن على الرهن فباعه قبل القبض لم يكن للمرتهن مقال في رد بيع الرهن ولا في أخذ ثمنه ولا في سلعته ولا في [ ص: 5683 ] ثمنها . وإذا لم يكن له مقال إذا تعدى عليه بالبيع كان إذا استحق أبين، وإن استحق بعد القبض، لم يكن له مقال في ذلك إذا لم يغره، وإن غره كان الاستحقاق قبل القبض وبعده سواء.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ذلك، فقال ابن القاسم: لا يجبر الراهن على خلفه ويكون مقال المرتهن في سلعته إما أن يضمنها أو يردها .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك: يجبر على خلفه . قال محمد: لا يخير فإن أخلفه أجبر الآخر على قبوله، وإن لم يخلفه عاد مقاله في سلعته . وقال سحنون: يجبر على تعجيل الحق .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن استحقاقه قبل القبض وبعده سواء وإن لم يغره، فإن أخلفه أجبر البائع على قبوله؛ لأن الغرض من الرهن ثمنه، ولا فرق بين أن يأخذ ذلك من الأول أو من الثاني، وإن لم يرض بخلفه، كان البائع بالخيار في سلعته بين أن يمضيها بالثمن إلى أجل، أو يأخذها إن كانت قائمة، أو [ ص: 5684 ] قيمتها إن كانت فائتة ، والاستحقاق قبل القبض بخلاف الموت؛ لأن الموت أمر طرأ بعد صحته والاستحقاق نقض له من أصله، وإن غيره كان بالخيار بين أن يجبر على مثله أو لا يجبره ويعود مقاله في سلعته حسب ما تقدم.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما يفيت السلعة، فقيل: حوالة الأسواق، وهو المشهور من المذهب.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: لا يفيتها إلا العيوب المفسدة . ويلزم على هذا فيمن باع سلعته بسلعة ثم استحقت إحداهما لا يفيت الأخرى إلا العيوب، ولا يكون مقال المرتهن في الرهن أعلى رتبة ممن اشترى سلعة فاستحقت من يده. [ ص: 5685 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية