الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في جارية بين رجلين فوطئها أحدهما]

                                                                                                                                                                                        وإذا كانت جارية بين رجلين، فوطئها أحدهما وهو عالم بتحريم ذلك- لم يحد; لأن ملك اليمين يدفع عنه حكم الزنى، وإن أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، ثم وطئها المتمسك بالرق وهو عالم بالعتق، وبيسر المعتق، وبتحريم ذلك - لم يحد; لأن ملكه في نصيبه لم يرتفع بعتق الشريك لنصيبه، ولأنها لو ماتت قبل أن تقوم عليه- كانت مصيبة نصيبه منه، ولا رجوع له، وإن كانت بكرا فافتضها وكان العتق بغير إذن شريك- كان على المعتق نصف ما نقصها العتق يوم أعتق، وقيمة نصيب شريكه على أنها ثيب يوم يقام عليه .

                                                                                                                                                                                        وأما فيما بين الأمة والسيد فقال ابن القاسم: إن طاوعته فلا شيء لها [ ص: 6288 ] عليه، لا من صداق ولا مما نقصها، وإن استكرهها، كان عليه نصف ما نقصها بمنزلة ما لو جرحت، فإن لها نصفه ولسيدها نصفه .

                                                                                                                                                                                        قلت: وقد اختلف في جرحها، فقيل: لها جميعه دون السيد، بمنزلة مالها. وقيل: جميعه للسيد، بمنزلة لو قتلت.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يجري الجواب فيما يكون لها على الاستكراه يكون لها جميعه على أحد الأقوال، وعلى القول الآخر لا يكون لها على السيد شيء.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن أن يكون بينهما نصفين، ويلزم على القول بالسراية أن يكون لها صداق المثل إذا أكرهها أو طاعت، وهي تظن أنه يلزمها أن تمكنه، لمكان ما له فيها من الرق، وهو لا يجهل ذلك، ويدرأ الحد للاختلاف.

                                                                                                                                                                                        وإن أعتق أحدهما جميعها، ثم وطئها الآخر، فإن كان المعتق موسرا والواطئ عالما بعتق شريكه ويسره، وهو ممن يرى أن عتق شريكه يلزمه، ولا خيار له فيه - حد الواطئ، وإن كان المعتق معسرا أو موسرا ولا علم عند الشريك من عتقه أو علم بعتقه ولم يعلم بيسره أو علم ذلك وكان ممن يجهل ويظن أن عتق الشريك لا يلزمه أو كان من أهل الاجتهاد ومن مذهبه أن ذلك لا يلزمه وأن له أن يعتق نصيبه ويرد عتق شريكه فيه- لم يحد. وهذا أصل ابن القاسم، فقد قيل: أن للشريك أن يرد العتق في نصيبه على كل حال، وقد مضى ذلك في كتاب العتق الأول. [ ص: 6289 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا كان المعتق موسرا، ولم يقم عليه شريكه حتى أعسر، فإن علم الآخر بعتقه فتركه، ولو شاء قام عليه- كان العتق ماضيا. وإن لم يعلم أو كان غائبا- كان على حقه إذا أعسر .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: العتق ماض على كل حال، ولا يرد .

                                                                                                                                                                                        وهو أبين; لأنه إذا كان عنده أن عتق الشريك لجميعها تكون به حرة إذا كان موسرا أو لا خيار للشريك- لم يكن فرق بين أن يعلم أو لا يعلم، وإن وطئ مكاتبته أو مكاتبة بينه وبين آخر - لم يحد; لأن الكتابة لم ترفع ملكه فيها ، ويفترق الجواب فيما يكون للمكاتبة على الواطئ إذا أصابها طائعة أو مكرهة، وكان جميعها له أو كانت شركة بينه وبين آخر، وقد مضى ذكر ذلك في كتاب المكاتب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن قال: زنيت بفلانة: يحد حدين، حد الزنى وحد القذف، إلا أن يرجع، فيسقط حد الزنى، ويحد حد القذف .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يحد مائة لا غير ذلك; لأنه عنده لا يخلو أن يكون صادقا فهو زان غير قاذف، أو كاذبا فهو قاذف غير زان، فإنما عليه حد واحد فيحد أكثرهما .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أحسن; لأنه لا ترتفع المعرة عنها بضرب المائة، وإنما [ ص: 6290 ] يقع عند الناس أنه ضرب مائة لزناه، وذلك آكد في إثبات ذلك عليها وزيادة المعرة، ولا ترتفع المعرة إلا أن يضرب حد القذف ثمانين.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن قذف رجلا بالزنى، وهو يعلم من نفسه أنه زنى، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: له أن يقوم بحده، وبحد قاذفه . وقال محمد بن عبد الحكم: لا يحل له أن يقوم بحده.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد: إذا كان المقذوف يعلم أن القاذف رآه، وهو يعلم ذلك منه- لم يحل له أن يقوم به.

                                                                                                                                                                                        وقول ابن عبد الحكم أحسن، لقول الله -عز وجل-: والذين يرمون المحصنات [سورة النور آية: 4] وهذا ليس بمحصن. [ ص: 6291 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية