الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اختلاف الشهادات في القذف والقتل

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال مالك: إذا شهد شاهد على رجل أنه قال لرجل يوم الخميس: يا زان، وشهد آخر أنه قال له مثل ذلك يوم الجمعة- حد المشهود عليه، قال: لأن الشهادة شيء واحد; لأنه كلام. وإن شهد شاهد أنه حلف إن دخل دار فلان فامرأته طالق البتة، وشهد آخر أنه حلف إن ركب دابة فلان فامرأته طالق البتة، ثم شهد عليه شهود أنه دخل تلك الدار وركب تلك الدابة- لم تطلق عليه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : القياس أن تطلق عليه; لأنهما اتفقا أنها قد حرمت عليه، ولم أره رواية.

                                                                                                                                                                                        وقال: إذا اختلفت الشهادة فشهد شاهد أنه رآه شجه موضحة وشهد آخر أنه أقر أنه شجه موضحة- ضمت الشهادتان; لأن الإقرار والفعل شيء واحد. قال: ولو شهد أحدهما أنه ذبحه، وشهد الآخر أنه أقر أنه أحرقه بالنار- لرأيت الشهادة باطلا .

                                                                                                                                                                                        قلت: لا يخلو الاختلاف في هذه الشهادات من ثلاثة أوجه: إما أن [ ص: 6292 ] يشهدا على المعاينة خاصة، أو على الإقرار، أو أحدهما على المعاينة والآخر على الإقرار.

                                                                                                                                                                                        فإن شهدا على المعاينة، فقال أحدهما: ذبحه، وقال الآخر: أحرقه، ولم يذبحه- كان تكاذبا، فإن قام الولي بالشهادتين جميعا بطلتا. وإن قام أحد منهما وكذب الآخر وكان المدعى عليه القتل مكذبا لجميعهما- كان للولي أن يقسم على أي الشهادتين أحب، ويقتل على الصفة التي حلف عليها، وله أن يقسم مع أدناهما في العدالة ويقتل; لأن الأعدل لم يدعه واحد منهما، واتفقا على تكذيبه.

                                                                                                                                                                                        وإن اعترف القاتل بالقتل، وقام بشهادة من شهد أنه ذبحه، وقام الآخر بشهادة من شهد أنه أحرقه بالنار- كانت القسامة في جنبة من قام بالأعدل منهما ، فإن كان الأعدل من شهد بالذبح أقسم معه القاتل وقتل بغير حرق.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الشهادتان على إقراره- كان للولي أن يقتل بغير قسامة، أو يقسم على أنه أحرقه; لأنه يقول: أنا مصدق هذا خاصة، وله أن يقتل بغير قسامة; لأن التكاذب لم يكن من قبل البينة.

                                                                                                                                                                                        وإنما كان من قبل القاتل أنه اختلف لفظه فأقر عند هذا بشيء، وعند [ ص: 6293 ] الآخر بخلافه، وهو في ذلك بمنزلة من كان قبله لإنسان حق، فجحده، فأثبت عليه شاهدا أنه أقر أن له عنده مائة دينار من ثمن سلعة كذا، وشهد آخر أنه أقر أنه لم يشترها منه إلا بخمسين، فإن للمشهود له أن يأخذ الخمسين بغير يمين، ويحلف المطلوب على الزائد أو يأخذ المائة بيمين; لأن الاختلاف من سبب المقر، وليس من سبب البينة.

                                                                                                                                                                                        وإن شهد أحدهما بالمعاينة والآخر على إقراره- كان له أن يقوم بهما; لأن الاختلاف من قبله: فعل شيئا وأقر بخلافه.

                                                                                                                                                                                        فإن شهد أحدهما بمعاينة الحرق، وأقر عند الآخر بالذبح- كان الولي بالخيار بين أن يقسم مع شهادة بالحرق ويحرقه، أو يقتله ذبحا بغير قسامة.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا شهد أحدهما بمعاينة الذبح، والآخر بإقراره بالحرق- كان له أن يقسم مع شاهد الإقرار أو يذبحه بغير قسامة; لأن الولي يقول: أنا أصدقك بالإقرار لهذا بالقتل ، ولا أقوم بقولك: إنه كان بالنار. [ ص: 6294 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية