الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصوم في السفر

                                                                                                                                                                                        ومن سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة كان بالخيار بين الصوم أو الفطر، واختلف أي ذلك أفضل؟ فقال مالك في المدونة: الصوم أحب إلي، وقال في مختصر ابن عبد الحكم وفي سماع أشهب: إن صام فحسن وإن أفطر فحسن، ورأى أنهما سيان، ولم يقدم أحدهما على الآخر، وقال عبد الملك بن الماجشون: الفطر أحب إلي، وهذا ما لم يكن السفر للغزو وقرب لقاء العدو، فإن الفطر أفضل للتقوي على القتال والحرب، وقول مالك الأول أحسن، والصوم أفضل إذا لم يكن عدو; لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم..." أخرجه مسلم.

                                                                                                                                                                                        فيه فائدتان: تقدمة الصوم مع الأمن، وتقدمة الإفطار عند الخوف والحاجة للتقوي على الحرب، والأحاديث في صوم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في السفر [ ص: 761 ] كثيرة، ولأن القرآن والآثار تظاهرت بفضل صوم شهر رمضان، وأن الله سبحانه عظم حرمته فكان صوم عينه أولى من صوم غيره، ولأنه لا يختلف أن الإتيان بالفرائض على وجه الأداء أولى من الإتيان بها على وجه القضاء، ولقوله سبحانه: فاستبقوا الخيرات [البقرة: 148] فدخل في ذلك المسارعة إلى الصوم وغيره من القرب، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه البخاري.

                                                                                                                                                                                        وأما ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس من البر الصوم في السفر" فقد أخرج البخاري ومسلم: أن السبب كان في ذلك أنه رأى رجلا قد ظلل عليه وأجهده الصوم، وزاد مسلم: قد اجتمع عليه الناس فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل صائم، فقال عند ذلك: "ليس من البر الصوم في السفر". فخرج الجواب على نازلة في عين، فكان مقصورا عليها وعلى مثلها. [ ص: 762 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية