الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم اجتباه ) أي اصطفاه وقربه وتاب عليه أي قبل توبته ( وهدى ) أي هداه للنبوة أو إلى كيفية التوبة ، أو هداه رشده حتى رجع إلى الندم . والضمير في ( اهبطا ) ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء جعل هبوطهما عقوبتهما و ( جميعا ) حال منهما . وقال ابن عطية : ثم أخبرهما بقوله ( جميعا ) أن إبليس والحية مهبطان معهما ، وأخبرهما أن العداوة بينهم وبين أنسالهم إلى يوم القيامة . انتهى .

ولا يدل قوله ( جميعا ) أن إبليس والحية يهبطان معهما لأن ( جميعا ) حال من ضمير الاثنين أي مجتمعين ، والضمير في ( بعضكم لبعض ) ضمير جمع . قيل : يريد إبليس وبنيه وآدم وبنيه . وقيل : أراد آدم وذريته ، فالعداوة واقعة بينهم والبغضاء لاختلاف الأديان وتشتت الآراء . وقيل : آدم وإبليس والحية . وقال أبو مسلم الأصبهاني : الخطاب لآدم عليه السلام ولكونهما جنسين صح قوله ( اهبطا ) ولأجل اشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة صح قوله ( فإما يأتينكم مني هدى ) .

وقال الزمخشري : لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلي البشر والسببين اللذين منهما نشئوا وتفرعوا جعلا كأنهما البشر في أنفسهما فخوطبا مخاطبتهم ، فقيل ( فإما يأتينكم ) على لفظ الجماعة ، ونظيره إسنادهم الفعل إلى السبب وهو في الحقيقة للمسبب . انتهى . و ( هدى ) شريعة الله . وعن ابن عباس : ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) والمعنى أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين ، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه . وعن ابن جبير : من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب . وقال أبو عبد الله الرازي : وهذه الآية تدل على أن المراد بالهدى الذي ذكره الله تعالى اتباع الأدلة واتباعها لا يتكامل إلا بأن يستدل بها ، وبأن يعمل بها ، ومن هذه حاله فقد ضمن تعالى أن لا يضل ولا يشقى في الآخرة لأنه تعالى يهديه إلى الجنة . وقيل ( فلا يضل ولا يشقى ) في الدنيا . فإن قيل : المنعم بهدى الله قد يلحقه الشقاء في الدنيا . قلنا : المراد لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين فإن حصل بسبب آخر فلا بأس . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية