الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1526 - وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع ، ونهانا عن سبع . أمرنا : بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، ورد السلام ، وإجابة الداعي ، وإبرار المقسم ، ونصر المظلوم ، ونهانا عن خاتم الذهب ، وعن الحرير ، والإستبرق ، والديباج ، والميثرة الحمراء والقسي ، وآنية الفضة - وفي رواية : - وعن الشرب في الفضة ; فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة - متفق عليه .

التالي السابق


1526 - ( وعن البراء بن عازب قال : أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع ، ونهانا عن سبع ، أمرنا : بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، ورد السلام ، وإجابة الداعي ، وإبرار المقسم ) أي : الحالف يعني : جعله بارا ، صادقا في قسمه ، أو جعل يمينه صادقة ، والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل ، وأنت تقدر على تصديق يمينه ، ولم يكن فيه معصية ، كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا ، وأنت تستطيع فعله ، فافعل كيلا يحنث . وقيل : هو إبراره في قوله : والله ، لتفعلن ، كذا قال الطيبي : قيل : هو تصديق من أقسم عليه ، وهو أن يفعل ما سأله الملتمس ، وأقسم عليه أن يفعله يقال : بر وأبر القسم إذا صدقه . ( ونصر المظلوم ) : قال في شرح السنة : هو واجب يدخل فيه المسلم والذمي ، وقد يكون ذلك بالقول وقد يكون بالفعل وبكفه عن الظلم .

( ونهانا عن خاتم الذهب ) : بفتح التاء ويكسر ، أي : عن لبسه . ( وعن الحرير ) أي : الثوب المنسوج من الإبريسم اللين . ( والإستبرق ) : المنسوج من الغليظ . ( والديباج ) : الرقيق ، وقيل : الحرير المركب من الإبريسم وغيره مع غلبة الإبريسم ، والمراد بها الأنواع والتفصيل لتأكيد التحريم . ( والميثرة الحمراء ) : بالياء ، الوطاء على السرج ، والمنهي عنها ما كانت من مراكب العجم من ديباج أو حرير ، ولعل النهي إنما ورد في الحمراء كذلك ، لكن ما كان من حرير أو ديباج فحرام على أي لون كان وما لم يكن منهما ، وكانت حمراء فمكروه لرعونتها ، كذا حرره السيد ، وقيل : الميثرة ما غشيت السروج تتخذ من الحرير ، وقيل : هي سروج من الديباج ، وهي وسادة تجعل أو توضع في السرج ، وهو مكروه إن كان من الحرير في النهاية : الميثرة بكسر الميم مفعلة من الوثار ، يقال : وثر وثارة فهو وثير أي : وطئ لين ، وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة الميم ، وهي من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج ، وتتخذ كالفراش الصغير ، وتحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته على الرحال والسروج . قال الطيبـي : وصفها بالحمراء ; لأنها كانت الأغلب في مراكب الأعاجم ، يتخذونها [ ص: 1122 ] رعونة . في شرح السنة : إن كانت الميثرة من ديباج فحرام ، وإلا فالحمراء منهي عنها لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن ميثرة الأرجوان . وقال القاضي : توصيفها بالحمرة لأنها كانت الأغلب في مراكب الأعاجم ، يتخذونها رعونة . ( والقسي ) : بفتح القاف وتشديد السين والياء . في الفائق : القسي ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير يؤتى به من مصر ، نسب إلى قرية على ساحل البحر يقال لها : القس ، وقيل القس : القز ، وهي رديء الحرير ، أبدلت الزاي : سينا . قال ابن الملك : والنهي إما لغلبة الحرير ، أو لكونها ثيابا حمراء .

قال ميرك : فإن قلت : ما الفرق بين هذه الأربعة ؟ قلت : الحرير اسم عام ، والديباج نوع منه ، والإستبرق نوع من الديباج ، والقسي ما يخالطه الحرير أو رديء الحرير ، وفائدة ذكر الخاص بعد العام بيانا لاهتمام بحكمه ، ودفع توهم أن تخصيصه باسم مستقل ينافي دخوله تحت الحكم العام ، والإشعار بأن هذه الثلاثة غير الحرير نظرا إلى العرف ، وكونها ذوات أسماء مختلفة مقتضية لاختلاف مسمياتها . ( وآنية الفضة ) : والذي أولى ، مع أنه صرح به في حديث آخر . قال الخطابي : وهذه الخصال مختلفة المراتب في حكم العموم والخصوص والوجوب ، فتحريم خاتم الذهب وما ذكر عنه من لبس الحرير والديباج خاص للرجال ، وتحريم آنية الفضة عام للرجال والنساء ; لأنه من باب السرف والمخيلة .

( وفي رواية : وعن الشرب ) : بضم الشين وبفتح وفي معناه الأكل . ( في الفضة ) : والذهب بالطريق الأولى . ( فإنه ) أي : الشأن . ( من شرب فيها في الدنيا ) أي : ثم مات ولم يتب . ( لم يشرب فيها في الآخرة ) : قال المظهر : أي : من اعتقد حلها ومات عليه ) ; فإنه كافر ، وحكم من لم يعتقد ذلك خلاف ذلك : فإنه ذنب صغير غلظ وشدد للرد والارتداع اهـ .

قال الطيبـي : قوله : لم يشرب فيها كناية تلويحية عن كونه جهنميا ; فإن الشرب من أواني الفضة من دأب أهل الجنة لقوله تعالى : قوارير قوارير من فضة ، فمن لم يكن هذا دأبه لم يكن من أهل الجنة فيكون جهنميا ، فهو كقوله : إنما يجرجر في بطنه نار جهنم اهـ .

والأظهر أن يقال : إنه لم يشرب في الآخرة مدة عذابه ، أو وقت وقوفه وحسابه ، أو في الجنة مدة ينسى مدة شرابه ، ونظير ذلك ما صح في الحرير : " من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " وفي الخمر : " من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة " قيل : ويمكن أن يخلق الله آنية ولباسا وشرابا غير ما ذكر لمن حرمه ، ويكون نقصا في مرتبته لا عقابا في حقه . ( متفق عليه قال ميرك : واللفظ للبخاري ، وقال مسلم : " وإفشاء السلام " . وهو يحتمل السلام ، ورده ، ورواه النسائي ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية