الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2214 - وعن ابن عباس قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أقرأني جبريل على حرف فراجعته ، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ) قال ابن شهاب : بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر تكون واحدا لا تختلف في حلال ولا حرام . متفق عليه .

التالي السابق


2214 - وعن ابن عباس قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أقرأني جبريل على حرف واحد ) : أي أولا ( فراجعته ) : أي الله ، أو جبريل ( فلم أزل أستزيده ) : أي أطلب من الله الزيادة ، أو أطلب من جبريل أن يطلب من الله الزيادة بعد الإجابة ( ويزيدني حتى انتهى ) : أي طلب الزيادة والإجابة ، أو أمر القرآن ( إلى سبعة أحرف ) : أي إلى إعطائها ( قال ابن شهاب ) : أي الزهري ( بلغني أن تلك السبعة الأحرف ) بالنصب على الوصفية ، وقيل بالجر على الإضافة ( إنما هي في الأمر ) أي في نفس الأمر وفى الحقيقة ( تكون ) بالتأنيث ويذكر ( واحدا لا يختلف ) بالوجهين ( في حلال ولا حرام ) يعني أن مرجع الجميع واحد في المعنى وإن اختلف اللفظ في هيئته وأما [ ص: 1512 ] الاختلاف بأن يصير المثبت منفيا ، والحلال حراما ، فذلك لا يجوز في القرآن قال تعالى ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) وهذا لما كان من عند الله فلم يجدوا فيه اختلافا يسيرا ، وكأن ابن شهاب قصد بذلك ردا لقول المشهور أن المراد بالأحرف السبعة أن القرآن أنزل على سبعة أصناف ، ثم اختلف القائلون فقيل : أمر ، ونهي ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، واحتجوا بحديث الحاكم ، والبيهقي " كانت الكتب الأول تنزل من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال " وأجاب عنه قوم بأنه ليس المراد بما فيه تلك الأحرف السبعة التي في الأحاديث السابقة ; لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا إذ هي ظاهرة في أن المراد يقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيرا وتهوينا ، والشيء الواحد لا يكون حلالا وحراما في آية واحدة ، وبه جزم بعضهم ، فقال : من أول تلك بهذه فهو فاسد ، وممن ضعف هذا القول ابن عطية ، فقال : الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحليل ولا تحريم ولا تغيير شيء من المعاني المذكورة ، وبه صرح الماوردي ، وقال غير واحد : قوله في الحديث : زاجر إلخ استئناف : أي القرآن زاجر وآمر ، ويؤيده رواية زاجرا بالنصب : أي نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف حال كونه زاجرا إلخ . وقال أبو شامة يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف ، أي : سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه أي : أنزل الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب اهـ . وهو الظاهر المتبادر ، وأما ما قال الأصوليون من الفقهاء أن المراد بتلك الأصناف المطلق ، والمقيد ، والعام ، والخاص ، والنص ، والمؤول ، والناسخ ، والمنسوخ ، والمجمل ، والمفسر ، والاستثناء وأقسامه ، فهي وإن كانت موجودة في القرآن منزلة فيه إلا أنها لا تحتمل التخيير ولا التبديل المفهوم من سبب الورود في الحديث ومن منطوق القرآن والحديث ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) وكذا ما ذكره اللغويون من أن المراد هنا الحذف ، والصلة ، والتقديم ، والتأخير ، والاستعارة ، والتكرار ، والكناية ، والحقيقة ، والمجاز ، والمجمل ، والمفسر ، والظاهر ، والغريب ، وعلى هذا القياس ما حكى النحاة من أن المراد بها التذكير ، والتأنيث ، والشرط ، والجزاء ، والتصريف ، والإعراب ، والأقسام وجوابها ، والجمع ، والإفراد ، والتصغير ، والتعظيم ، واختلاف الأدوات ، فإن بعضها ثابت جاز تغيرها على ما ورد من التذكير ، والتأنيث ، والجمع ، والإفراد ، والإعراب ، واختلاف الأدوات ، وأما سائر الصفات فما ورد شيء منها ، ولا يجوز أن يكون داخلا تحت قوله ( فاقرءوا ما تيسر ) ، وكذا ما حكي عن الصوفية من أنها الزهد والقناعة مع اليقين ، والحرمة والخدمة مع الرضا ، والشكر والصبر مع المحاسبة ، والمحبة والشوق مع المشاهدة ، لأنها موجودة في القرآن مع زيادة تبلغ ألفا كما حقق في منازل السائرين ومقدمات العارفين ، ولكن تنزيل هذه المذكورات على كونها مرادة من الحديث الموضوع للتيسير والتخفيف بالتخيير مما لا يظهر له وجه ، والحاصل أن كلا عرف بمذهبه وعرف من مشربه من غير ملاحظة للفظ باقي الحديث ، ولسبب وروده فتكلموا على معنى القرآن أنزل على سبعة أحرف ، والله أعلم ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية