الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2271 - وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا " قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال : " حلق الذكر " ( رواه الترمذي ) .

التالي السابق


2271 - ( وعن أنس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إذا مررتم برياض الجنة ) : من باب تسمية الشيء باسم ما يئول إليه ، أو بما يوصل إليه ويدل عليه ( فارتعوا ) : كناية عن أخذ الحظ الأوفر والنصيب الأوفى ( قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر ) : بكسر الحاء وتفتح . قال الطيبي : بكسر الحاء وفتح اللام ، جمع الحلقة مثل قصعة وقصع ، وهي الجماعة من الناس يستديرون كحلقة الباب وغيره . وقال الجوهري : جمع الحلقة بفتح الحاء على غير قياس ، وحكى ابن عمرو : أن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالفتح اهـ . وكأنه أراد بالجمع الجنس . قيل : هذا الحديث مطلق في المكان والذكر ، فيحمل على المقيد المذكور في باب المساجد ، والذكر هو سبحان الله والحمد لله إلخ . ذكره الطيبي : وقيل : هي مجالس الحلال والحرام ، والأظهر حمله على العموم ، وذكر الفرد الأكمل بالخصوص لا ينافي عموم المنصوص . وحاصل المعنى ، إذا مررتم بجماعة يذكرون الله تعالى فاذكروه أنتم موافقة لهم ، فإنهم في رياض الجنة .

قال النووي رحمه الله : واعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله ، وهو قد يكون بالقلب ، وقد يكون باللسان ، وأفضل منهما ما كان بالقلب واللسان جميعا ، فإن اقتصر على أحدهما ، فالقلب أفضل ، وينبغي أن لا يترك الذكر باللسان مع القلب بالإخلاص خوفا من أن يظن به الرياء ، وقد نقل عن الفضيل : ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك . والإخلاص أن يخلصك الله منهما ، لكن لو فتح الإنسان على نفسه باب ملاحظة الناس والاحتراز عن طرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير اهـ .

[ ص: 1554 ] وروي أن بعض المريدين قال لشيخه : أنا أذكر الله وقلبي غافل . فقال له : اذكر واشكر أن شغل عضوا منك بذكره ، واسأله أن يحضر قلبك . ومن الغريب أن القاضي عياضا قال لا ثواب في الذكر بالقلب ، ومن العجيب أن البلقيني قال : وهو حق لا شك فيه اهـ . ولعل كلامهما محمول على ذكر عين الشارع تلفظه وسماع نفسه ، كما قال الجزري في الحصن : كل ذكر مشروع أي مأمور به في الشرع واجبا كان أو مستحبا ، لا يعتد بشيء منه حتى يتلفظ به ويسمع نفسه اهـ .

فالإطلاق غير صواب فقد روى أبو يعلى ، عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لفضل الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة سبعون ضعفا ، إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق لحسابهم ، وجاءت الحفظة بما حفظوا وكتبوا ، قال لهم : انظروا هل بقي له من شيء ؟ فيقولون : ما تركنا شيئا مما علمناه وحفظناه إلا وقد أحصيناه وكتبناه ، فيقول الله : إن لك عندي حسنا لا تعلمه ، وإنما أجزيك به وهو الذكر الخفي " اهـ . وهو المراد بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " الذكر الخفي خير من الذكر الجلي " ( رواه الترمذي ) : أي : من حديث أنس ، وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) قلت : وما رياض الجنة ؟ قال : ( المساجد ) . قلت : وما الرتع يا رسول الله ؟ قال : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) .




الخدمات العلمية