قال الماوردي : من يسقط عنه فرض الجهاد ضربان :
أحدهما : من يسقط عنه بعذر وإن كان في أهله ويأتي ذكرهم في الباب الآتي .
والضرب الثاني : من يسقط عنه : لأنه ليس من أهله .
والفرق بين الضربين أن من سقط عنه بعذر أسهم له إذا حضر ، ومن سقط عنه لغير عذر لم يسهم له إذا حضر : اعتبارا بصلاة الجمعة ، أن من سقط فرضها عنه بعذر لزمته إذا حضرها ، ومن سقطت عنه بغير عذر لم تلزمه إذا حضرها : اعتبارا بالحج أن من سقط عنه فرضه - لأنه ليس من أهله - لم يجز إذا حج عن فرضه ، ومن سقط عنه بغير عذر أجزأه إذا حج عن فرضه .
فإذا تقرر ما وصفنا ففرض الجهاد متوجه إلى من تكامل فيه أربعة شروط :
أحدها : ، فإن كان عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو فيه جزء من الرق - وإن قل - فليس من أهل الجهاد ، ولا يدخل فيمن توجه إليه فرض الكفاية لقوله تعالى : الحرية وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله [ التوبة : 41 ] . وهذا خطاب لا يتوجه إلى المملوك : لأنه لا يملك ، فصار داخلا في قوله تعالى : ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج " [ التوبة : 91 ] لأن العبد لا يجد ما ينفق ، وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررنا بقوم من مزينة ، فتبعنا مملوك لامرأة منهم فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : استأذنت مولاتك ؟ فقال : لا ، فقال : لو مت لم أصل عليك ، ارجع واستأذنها ، وأقرئها مني السلام ، فرجع فاستأذنها فأذنت له .
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أسلم على يده رجل لا يعرفه سأل : أحر هو أم مملوك ؟ فإن قال : أنا حر بايعه على الإسلام والجهاد ، وإذا قال : أنا مملوك بايعه على الإسلام ولم يبايعه على الجهاد ، ولأنه لا يسهم له ، ولو كان من أهل الجهاد أسهم له ، ولأن العبادة إذا تعلقت بقطع مسافة بعيدة خرج العبد من فر منها كالحج ، ولا ينتقض بالهجرة : لأن المسافة فيها هي العبادة ، والمسافة في الحج والجهاد يتعلق بها فر من العبادة وليست هي العبادة .
والشرط الثاني : ، فإن كانت امرأة أو الذكورية فلا جهاد عليها ، ولا يتوجه فرض الجهاد إليها لقول الله تعالى : خنثى مشكلا ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال [ ص: 115 ] [ الأنفال : 65 ] . وإطلاق لفظ المؤمنين يتوجه إلى الرجال دون النساء ، ولا يدخلن فيه إلا بدليل ، وهو مذهب الشافعي .
وروى معاوية بن إسحاق عن عن عائشة بنت طلحة - رضي الله عنها - قالت : عائشة أم المؤمنين . وروى سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد قال : جهادك : الحج أبو سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : . جهاد الكبير الضعيف والمرأة الحج والعمرة ، ولأن مقصود الجهاد القتال ، والنساء يضعفن عنه
روي ، قال فيه الشاعر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة مقتولة ، فقال : ما بال هذه تقتل ولا تقاتل ولاستفاضة ذلك في الناس عمر بن أبي ربيعة وقد مر بامرأة مقتولة :
إن من أكبر الكبائر عندي قتل بيضاء حرة عطبول كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول
والشرط الثالث : ، فإن كان صبيا فلا جهاد عليه ، ولا يتوجه فرض الكفاية إليه ، لقول الله تعالى : البلوغ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج [ التوبة : 91 ] وفي الضعفاء تأويلان :
أحدهما : أنهم الصبيان وهو أظهر .
والثاني : المجانين ، ولم يرد بالضعف الفقر : لأنه قال : ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ولقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : : ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه زيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر يوم بدر لصغرهم .
وروى نافع عن ابن عمر قال : أحد ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فردني ولم يجزني في القتال وعرضت عليه يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ؛ ولأن القتال تكليف ، والصبي غير مكلف ، ولأنه ذرية يقاتل عنه ، ولا يقاتل : ولأنه يضعف عن معرفة القتال ومقاومة الرجال : ولأنه لا يسهم له لو حضر . عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم
[ ص: 116 ] والشرط الرابع : ، فلا يتوجه فرض الجهاد إلى مجنون ، ومن لا يصح تمييزه وتحريره لما قدمناه ؛ ولأن حضوره مفض لقلة تمييزه . إما إلى الهزيمة ، وإما إلى إلقاء نفسه إلى التهلكة ، وكلاهما ضرر . العقل
فإذا استكملت هذه الشروط الأربعة في مسلم ، كان من استكملت فيه من أهل الجهاد ، وتوجه فرض الكفاية إليه سواء كان يحسن القتال أو لا يحسن : لأنه إن كان يحسن القتال حارب ، وإن كان لا يحسن كثر وهيب أو تخلف عن الوقعة لحفظ رحال المحاربين ، فكان لخروجه معهم تأثير .
ويجوز للإمام أن يأذن للعبيد في الجهاد إذا خرجوا مع ساداتهم أو بإذنهم .
ويأذن في خروج غير ذوات الهيئات من النساء : لمداواة الجرحى ، وتعليل المرضى ، وإصلاح الطعام : فقد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في غزواته ، ويأذن في خروج من اشتد من الصبيان : لأنهم أعوان ، ولا يأذن في خروج المجانين لأن خروجهم ضار .
فأما البلوغ فقد ذكره الشافعي هاهنا ، وقد قدمنا شرحه في كتاب الحجر وغيره بما أغنى عن إعادته ، وبالله التوفيق .