مسألة : قال الشافعي : " وإذا أمنهم مسلم حر بالغ أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة ، فالأمان جائز قال - صلى الله عليه وسلم - :
قال المسلمون يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم . الماوردي : أما فجائز لقول الله تعالى : أمان المشركين وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة : 6 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : إن استغاثك فأغثه .
والثاني : وهو أصح إن استأمنك فأمنه ، حتى يسمع كلام الله ، فيه تأويلان :
أحدهما : يعني سورة براءة خاصة ليعلم ما في حكم الناقض للعهد وحكم المقيم عليه ، والسيرة في المشركين والفرق بينهم وبين المنافقين .
والثاني : يعني جميع القرآن ليهتدي به من ضلاله ، ويرجع به عن كفره .
ثم أبلغه مأمنه ، يعني بعد انقضاء مدة الأمان إن أقام على الشرك ذلك بأنهم [ ص: 195 ] قوم لا يعلمون [ التوبة : 6 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : لا يعلمون الرشد من الغي .
والثاني : لا يعلمون استباحة دمائهم عند انقضاء مدة أمانهم ، فدلت هذه الآية على جواز أمانهم ، ودلت عليه السنة في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهدنة مع قريش بالحديبية سنة ست على أن يأمنوا المسلمين ، ويأمنهم المسلمون .
فإذا صح بالكتاب والسنة جواز : عام وخاص ، فأما العام فهو الهدنة الـتي تعقد أمانا للكافة من المشركين ، وهذه لا يجوز أن يتولاها إلا ولاة الأمر ، فإن كانت لكافة المشركين في جميع الأقاليم لم يصح عقدها ، إلا من الإمام الوالي على جميع المسلمين ، وإن كانت لأهل إقليم صح عقدها من الإمام ، أو من والي ذلك الإقليم لقيامه فيه مقام الإمام ، ولا يصح من غيرهما من المسلمين بحال ، وسيأتي الكلام في عقد الهدنة ومدتها . الأمان فهو ضربان
وأما : فهو أن يؤمن من الكفار آحاد لا يتعطل بهم جهاد ناحيتهم كالواحد والعشرة إلى المائة وأهل قافلة ، فإن كثروا حتى تعطل بهم جهادهم صار عاما ، وهذا الأمان الخاص يجوز أن يعقده الواحد من المسلمين الأحرار البالغين العقلاء ، سواء كان شريفا أو مشروفا ، عالما كان أو جاهلا ، قويا كان أو ضعيفا ، لرواية الأمان الخاص محمد بن مسلمة عمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد : لا يخير أمانه فقال أبو عبيدة الجراح : ليس ذلك لكما : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يجير على المسلمين بعضهم ، أن رجلا من المسلمين أمن كافرا فقال كان أمانها جائزا كالرجل . فإن أمنته امرأة من المسلمين
روى محمد بن السائب ، عن أبي صالح أنها قالت : قلت : يا رسول الله ، " إني أجرت حموين لي " ، وزعم ابن أمي أنه قاتلهما ، يعني أخاها أم هانئ بنت أبي طالب علي بن أبي طالب عام الفتح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ .
وروى عن الزهري عن أنس قال : لما أسر أبو العاص بن الربيع قالت زينب - عليها السلام - إني أجرت أبا العاص . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قد أجرنا من أجارت زينب . واحتمل أمان زينب له أمرين :
أحدهما : أن يكون قبل أسره فيكون أمنا بأمانها .
والثاني : أن يكون قد أمنته بعد أسره ، فيكون آمنا بتجارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بأمانها ؛ لأن أمان الأسير من عليه ، وليس المن إلا لولاة الأمر ، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب منه عليه أمان بنته زينب له رعاية لحقها فيه .
[ ص: 196 ]