الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سعا ]

                                                          سعا : ابن سيده : مضى سعو من الليل وسعو وسعواء وسعواء ، ممدود ، وسعوة وسعوة أي قطعة . قال ابن بزرج : السعواء مذكر ، وقال بعضهم : السعواء فوق الساعة من الليل ، وكذلك السعواء من النهار . ويقال : كنا عنده سعوات من الليل والنهار . ابن الأعرابي : السعوة الساعة من الليل ، والأسعاء ساعات الليل ، والسعو الشمع في بعض اللغات ، والسعوة الشمعة . ويقال للمرأة البذية الجالعة : سعوة وعلقة وسلقة . والسعي : عدو دون الشد ، سعى يسعى سعيا . وفي الحديث : إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ; فالسعي هنا العدو . سعى إذا عدا ، وسعى إذا مشى ، وسعى إذا عمل ، وسعى إذا قصد ، وإذا كان بمعنى المضي عدي بإلى ، وإذا كان بمعنى العمل عدي باللام . والسعي : القصد ، وبذلك فسر قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله ; وليس من السعي الذي هو العدو ، وقرأ ابن مسعود : فامضوا إلى ذكر الله ، وقال : لو كانت من السعي لسعيت حتى يسقط ردائي . قال الزجاج : السعي والذهاب بمعنى واحد لأنك تقول للرجل هو يسعى في الأرض ، وليس هذا باشتداد . وقال الزجاج : أصل السعي في كلام العرب التصرف في كل عمل ; ومنه قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ; معناه إلا ما عمل . ومعنى قوله : فاسعوا إلى ذكر الله ; فاقصدوا . والسعي : الكسب ، وكل عمل من خير أو شر سعي ، والفعل كالفعل . وفي التنزيل : لتجزى كل نفس بما تسعى ; وسعى لهم وعليهم : عمل لهم وكسب . وأسعى غيره : جعله يسعى ; وقد روي بيت أبي خراش :


                                                          أبلغ عليا أطال الله ذلهم ! أن البكير الذي أسعوا به همل



                                                          أسعوا وأشعوا . وقوله تعالى : فلما بلغ معه السعي ; أي أدرك معه العمل ، وقال الفراء : أطاق أن يعينه على عمله ، قال : وكان إسماعيل يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة ; وقال الزجاج : يقال إنه قد بلغ في ذلك الوقت ثلاث عشرة سنة ولم يسمه . وفي حديث علي ، كرم الله وجهه ، في ذم الدنيا : من ساعاها فاتته أي سابقها ، وهي مفاعلة من السعي كأنها تسعى ذاهبة عنه وهو يسعى مجدا في طلبها فكل منهما يطلب الغلبة في السعي . والسعاة : التصرف ، ونظير السعاة في الكلام النجاة من نجا ينجو ، والفلاة من فلاه يفلوه إذا قطعه عن الرضاع ، وعصاه يعصوه عصاة ، والغراة من قولك غريت به أي أولعت به غراة ، وفعلت ذلك رجاة كذا وكذا ، وتركت الأمر خشاة الإثم ، وأغريته إغراء وغراة ، وأذي أذى وأذاة ، وغديت غدوة وغداة ; حكى الأزهري ذلك كله عن خالد بن يزيد . والسعي يكون في الصلاح ويكون في الفساد ; قال الله عز وجل : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ; نصب قوله فسادا لأنه مفعول له أراد يسعون في الأرض للفساد ، وكانت العرب تسمي أصحاب الحمالات لحقن الدماء وإطفاء النائرة سعاة لسعيهم في صلاح ذات البين ; ومنه قول زهير :


                                                          سعى ساعيا غيظ بن مرة     بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم



                                                          أي سعيا في الصلح وجمع ما تحملا من ديات القتلى ، والعرب تسمي مآثر أهل الشرف والفضل مساعي ، واحدتها مسعاة لسعيهم فيها كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعنوا فيها أنفسهم ، والسعاة اسم من ذلك . ومن أمثال العرب : شغلت سعاتي جدواي ; قال أبو عبيد : يضرب هذا مثلا للرجل تكون شيمته الكرم غير أنه معدم ، يقول : شغلتني أموري عن الناس والإفضال عليهم . والمسعاة : المكرمة والمعلاة في أنواع المجد والجود . ساعاه فسعاه يسعيه أي كان أسعى منه . ومن أمثالهم في هذا : بالساعد تبطش اليد . وقال الأزهري : كأنه أراد بالسعاة الكسب على نفسه والتصرف في معاشه ; ومنه قولهم : المرء يسعى لغاريه أي يكسب لبطنه وفرجه . ويقال عامل الصدقات ساع ، وجمعه سعاة . وسعى المصدق يسعى سعاية إذا عمل على الصدقات وأخذها من أغنيائها وردها في فقرائها . وسعى سعاية أيضا : مشى لأخذ الصدقة فقبضها من المصدق . والسعاة : ولاة الصدقة ; قال عمرو بن العداء الكلبي :


                                                          سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا     فكيف لو قد سعى عمرو عقالين ؟



                                                          [ ص: 193 ] وفي حديث وائل بن حجر : إن وائلا يستسعى ويترفل على الأقوال أي يستعمل على الصدقات ويتولى استخراجها من أربابها ، وبه سمي عامل الزكاة الساعي . ومنه قوله : ولتدركن القلاص فلا يسعى عليها أي تترك زكاتها فلا يكون لها ساع . وسعى عليها : كعمل عليها . والساعي : الذي يقوم بأمر أصحابه عند السلطان ، والجمع السعاة . قال : ويقال : إنه ليقوم أهله أي يقوم بأمرهم . ويقال : فلان يسعى على عياله أي يتصرف لهم ، كما قال الشاعر :


                                                          أسعى على جل بني مالك     كل امرئ في شأنه ساعي

                                                          وسعى به سعاية إلى الوالي : وشى . وفي حديث ابن عباس أنه قال : الساعي لغير رشدة ; أراد بالساعي الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه فيمحل به ليؤذيه أي أنه ليس ثابت النسب من أبيه الذي ينتمي إليه ولا هو ولد حلال . وفي حديث كعب : الساعي مثلث ; تأويله أنه يهلك ثلاثة نفر بسعايته : أحدهم المسعي به ، والثاني السلطان الذي سعى بصاحبه إليه حتى أهلكه ، والثالث هو الساعي نفسه ، سمي مثلثا لإهلاكه ثلاثة نفر ، ومما يحقق ذلك الخبر الثابت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : لا يدخل الجنة قتات ، فالقتات الساعي والماحل واحد . واستسعى العبد : كلفه من العمل ما يؤدي به عن نفسه إذا أعتق بعضه ليعتق به ما بقي ، والسعاية ما كلف من ذلك . وسعى المكاتب في عتق رقبته سعاية واستسعيت العبد في قيمته . وفي حديث العتق : إذا أعتق بعض العبد فإن لم يكن له مال استسعي غير مشقوق عليه ; استسعاء العبد إذا عتق بعضه ورق بعضه هو أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه فيعمل ويكسب ويصرف ثمنه إلى مولاه ، فسمي تصرفه في كسبه سعاية ، وغير مشقوق عليه أي لا يكلفه فوق طاقته ; وقيل : معناه استسعي العبد لسيده أي يستخدمه مالك باقيه بقدر ما فيه من الرق ولا يحمله ما لا يقدر عليه . وقال الخطابي : قوله استسعي غير مشقوق عليه لا يثبته أكثر أهل النقل مسندا عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ويزعمون أنه من قول قتادة . وسعت الأمة : بغت . وساعى الأمة : طلبها للبغاء ، وعم ثعلب به الأمة والحرة ; وأنشد للأعشى :


                                                          ومثلك خود بادن قد طلبتها     وساعيت معصيا إليها وشاتها

                                                          قال أبو الهيثم : المساعاة مساعاة الأمة إذا ساعى بها مالكها فضرب عليها ضريبة تؤديها بالزنا ، وقيل : لا تكون المساعاة إلا في الإماء ، وخصصن بالمساعاة دون الحرائر لأنهن كن يسعين على مواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن . وتقول : زنى الرجل وعهر ، فهذا قد يكون بالحرة والأمة ، ولا تكون المساعاة إلا في الإماء خاصة . وفي الحديث : إماء ساعين في الجاهلية ; وأتي عمر برجل ساعى أمة . وفي الحديث : لا مساعاة في الإسلام ، ومن ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ; المساعاة الزنا يقال : ساعت الأمة إذا فجرت ، وساعاها فلان إذا فجر بها ، وهو مفاعلة من السعي ، كأن كل واحد منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه ، فأبطل الإسلام ، شرفه الله ، ذلك ولم يلحق النسب بها ، وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها . وفي حديث عمر : أنه أتي في نساء أو إماء ساعين في الجاهلية فأمر بأولادهن أن يقوموا على آبائهم ولا يسترقوا ; معنى التقويم أن تكون قيمتهم على الزانين لموالي الإماء ويكونوا أحرارا لاحقي الأنساب بآبائهم الزناة ; وكان عمر ، رضي الله عنه : يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام على شرط التقويم ، وإذا كان الوطء والدعوى جميعا في الإسلام فدعواه باطلة والولد مملوك لأنه عاهر ; قال ابن الأثير : وأهل العلم من الأئمة على خلاف ذلك ولهذا أنكروا بأجمعهم على معاوية في استلحاقه زيادا ، وكان الوطء في الجاهلية والدعوى في الإسلام . قال أبو عبيد : أخبرني الأصمعي أنه سمع ابن عون يذكر هذا الحديث فقال : إن المساعاة لا تكون في الحرائر إنما تكون في الإماء ; قال الأزهري : من هنا أخذ استسعاء العبد إذا عتق بعضه ورق بعضه ، وذلك أنه يسعى في فكاك ما رق من رقبته فيعمل فيه ويتصرف في كسبه حتى يعتق ، ويسمى تصرفه في كسبه سعاية لأنه يعمل فيه ; ومنه يقال : استسعي العبد في رقبته وسوعي في غلته ، فالمستسعى الذي يعتقه مالكه عند موته وليس له مال غيره فيعتق ثلثه ويستسعى في ثلثي رقبته ، والمساعاة : أن يساعيه في حياته في ضريبته . وساعي اليهود والنصارى : هو رئيسهم الذي يصدرون عن رأيه ولا يقضون أمرا دونه ، وهو الذي ذكره حذيفة في الأمانة فقال : إن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه ، وقيل : أراد بالساعي الوالي عليه من المسلمين وهو العامل ، يقول ينصفني منه . وكل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم ، وأكثر ما يقال في ولاة الصدقة . يقال سعى عليها أي عمل عليها . وسعيا ، مقصور : اسم موضع ; أنشد ابن بري لأخت عمرو ذي الكلب ترثيه من قصيدة أولها :


                                                          كل امرئ بطوال العيش مكذوب     وكل من غالب الأيام مغلوب
                                                          أبلغ بني كاهل عني مغلغلة     والقوم من دونهم سعيا ومركوب

                                                          قال ابن جني : سعيا من الشاذ عندي عن قياس نظائره ، وقياسه سعوى ، وذلك أن فعلى إذا كانت اسما مما لامه ياء فإن ياءه تقلب واوا للفرق بين الاسم والصفة ، وذلك نحو الشروى والبقوى والتقوى ، فسعيا إذا شاذة في خروجها عن الأصل كما شذت القصوى وحزوى . وقولهم : خذ الحلوى وأعطه المرى ، وعلى أنه قد يجوز أن يكون سعيا فعللا من سعيت إلا أنه لم يصرفه لأنه علقه على الموضع علما مؤنثا . وسعيا : لغة في شعيا . وهو اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية