الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) السؤر المشكوك فيه فهو سؤر الحمار والبغل في جواب ظاهر الرواية ، وروى الكرخي عن أصحابنا أن سؤرهما نجس .

                                                                                                                                وقال الشافعي : ظاهر وجه قوله أن عرقه طاهر ; لما روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار معروريا والحر حر الحجاز فقلما يسلم الثوب من عرقه ، وكان يصلي فيه } فإذا كان العرق طاهرا فالسؤر أولى وجه رواية الكرخي : أن الأصل في سؤره النجاسة ; لأن سؤره لا يخلو عن لعابه ، ولعابه متحلب من لحمه ، ولحمه نجس ، فلو سقط اعتبار نجاسته إنما يسقط لضرورة المخالطة ، والضرورة متعارضة ; لأنه ليس في المخالطة كالهرة ولا في المجانبة كالكلب ، فوقع الشك في سقوط حكم الأصل فلا يسقط بالشك وجه ظاهر الرواية أن الآثار تعارضت في طهارة سؤره ونجاسته عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول : الحمار يعتلف القت والتبن فسؤره طاهر وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول : إنه رجس وكذا تعارضت الأخبار في أكل لحمه ولبنه ، روي في بعضها النهي ، وفي بعضها الإطلاق ، وكذا اعتبار عرقه يوجب طهارة سؤره ، واعتبار لحمه ولبنه يوجب نجاسته ، وكذا تحقق أصل الضرورة لدورانه في صحن الدار وشربه في الإناء يوجب طهارته ، وتقاعدها عن ضرورة الهرة باعتبار أنه لا يعلو الغرف ولا يدخل - المضايق - يوجب نجاسته ، والتوقف في الحكم عند تعارض الأدلة واجب ، فلذلك كان مشكوكا فيه فأوجبنا الجمع بين التيمم وبين التوضؤ به احتياطا ; لأن التوضؤ به لو جاز لا يضره التيمم ، ولو لم يجز التوضؤ به جازت صلاته بالتيمم ، فلا يحصل الجواز بيقين إلا بالجمع بينهما ، وأيهما قدم جاز عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر لا يجوز ، حتى يقدم الوضوء على التيمم ليصير عادما للماء ، والصحيح قول أصحابنا الثلاثة ; لما ذكرنا أنه إن كان طاهرا فقد توضأ به قدم أو أخر ، وإن كان نجسا ففرضه التيمم وقد أتى به فإن قيل : في هذا ترك الاحتياط من وجه آخر ; لأن على تقدير كونه نجسا تتنجس به أعضاؤه وثيابه ، فالجواب : أن الحدث كان ثابتا بيقين فلا تحصل الطهارة بالشك ، والعضو والثوب كل واحد منهما كان طاهرا بيقين فلا يتنجس بالشك .

                                                                                                                                وقال بعضهم : الشك في طهوريته ، ثم من مشايخنا من جعل هذا الجواب في سؤر الأتان ، وقال في سؤر الفحل : إنه نجس ، لأنه يشم البول فتتنجس شفتاه وهذا غير سديد ; لأنه [ ص: 66 ] أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت ومن مشايخنا من جعل الأسآر خمسة أقسام ، أربعة منها ما ذكرنا وجعل الخامس منها السؤر النجس المتفق على نجاسته ، وهو سؤر الخنزير وليس كذلك ; لأن في الخنزير خلاف مالك كما في الكلب فانحصرت القسمة على أربعة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية