الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وقبول هبة ماء )

                                                                                                                            ش : قال المغربي : إلا أن يتحقق المنة فيه ، انتهى .

                                                                                                                            من قواعد النكاح .

                                                                                                                            ص ( أو قرضه )

                                                                                                                            ش : سياق كلامه يدل على أنه إذا بذل له الماء على سبيل القرض لزمه ذلك وهو ظاهر ; لأنه إذا لزمه قبوله على وجه الهبة فأحرى على جهة القرض ، ولا يقال : إن فيه تعمير الذمة ; لأن هذا أمر قريب ، وقد قالوا يلزمه أخذه بثمن في ذمته كما سيقوله المصنف وفي كلام ابن عبد السلام أنه إذا وجد من يسلفه الثمن لزمه ذلك إذا كان مليا ببلده وذكر الأقفهسي في شرح المختصر أنه إذا بذل له ثمن الماء على سبيل القرض لا يلزمه قبوله ويمكن أن يجمع بينه وبين كلام ابن عبد السلام فيحمل كلامه على ما إذا لم يكن مليا ببلده وكلام ابن عبد السلام على ما إذا كان مليا ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وطلبه لكل صلاة ، ولو توهمه لا تحقق عدمه طلبا لا يشق به [ ص: 344 ] كرفقة قليلة ، أو حوله من كثيرة إن جهل بخلهم به )

                                                                                                                            ش هذا معطوف على قوله : موالاته والمعنى أنه يلزم المتيمم طلب الماء لكل صلاة إذا كان يتوهم وجوده وتحصيله بطلبه فأحرى إذا شك في ذلك ، أو ظن وجوده فقوله لكل صلاة يعني أن المكلف إذا طلب الماء لصلاة ، ولم يجده وتيمم ثم دخل وقت صلاة أخرى فإنه يطلب الماء للصلاة الثانية ; لأن الصلاة الثانية في حكم الأولى في توجيه الخطاب بالطلب ، وهذا إذا كان في غير الموضع الذي كان فيه وقت الصلاة الأولى ، أو كان فيه وحدث ما يوجب توهم وجود الماء ، وأما إن كان بموضعه الأول ، ولم يحدث ما يقتضي توهم وجود الماء فلا يلزمه الطلب حينئذ ; لأنه قد يتحقق عدمه ، وقد أشار البساطي في شرحه إلى هذا وقوله لا تحقق عدمه يعني أنه إذا تحقق عدم الماء فلا يلزمه الطلب إذ لا فائدة فيه قال في التوضيح قال ابن راشد يريد بالتحقق غلبة الظن ; لأن الظن في الشرعيات معمول به ، وأما القطع بالعدم فقد لا يتصور ثم قال في شرح قول ابن الحاجب : وإن لم يتحقق عدمه طلبه قال ابن عبد السلام : يدخل في هذا الظان والشاك والمتوهم وقال ابن شاس وابن عطاء الله : الحالة الثانية أن يتوهم وجوده حواليه فليتردد إلى حد لا يدخل عليه ضرر ، ولا مشقة ، ولا يتحدد ذلك بحد إذ الشاب ليس كالمرأة ثم قال في التوضيح : ومقتضى كلام ابن راشد أن المتوهم لا يطلب ; لأنه فسر تحقق العدم بظن العدم ، ولا شك أنه إذا ظن العدم كان وجوده متوهما وهو خلاف كلام هؤلاء وعلى هذا فالأولى أن يبقى التحقق أولا على بابه ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) والمراد بالتحقق الاعتقاد الذي لا تردد فيه لا التحقق في نفس الأمر ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن عبد السلام : ينبغي أن يختلف حكم الطلب فليس من ظن العدم كمن شك ، ولا الشاك كالمتوهم ، انتهى .

                                                                                                                            وقبله صاحب التوضيح وهو ظاهر وقوله طلبا لا يشق به يعني أن الطلب الذي يلزم المكلف هو الطلب الذي لا يشق عليه وذلك يختلف باختلاف الناس فليس الشيخ كالشاب ، ولا الرجل كالمرأة ولا الضعيف كالقوي قال مالك في رسم الشريكين فيمن تحضره الصلاة والماء منه على ميل أو نصف ميل وهو يتخوف عناء ذلك ، أو سلابة ، أو سباعا لا أرى عليه أن يذهب وهو يتخوف قال ابن راشد : وسواء تخوف على نفسه ، أو ماله ودليل الرواية أنه إن لم يتخوف فعليه أن يذهب إليه على الميل والنصف وفي النوادر إن كان عليه في ذلك مشقة فليتيمم قال ابن رشد وذلك على قدر ما يجد من الجلد والقوة وذلك مفسر في رسم البز ، وأما الميلان فهو كثير ليس عليه في سفر ، ولا حضر أن يعدل عن طريقه ميلين ; لأن ذلك مما يشق قاله سحنون في نوازله ، انتهى .

                                                                                                                            وكلامه يقتضي أن مجموع الميل ونصفه يسير وكلامه في المقدمات يدل على ذلك كما سيأتي وقال الباجي : ليس عليه أن يجهد نفسه في الجري لإدراك الماء ولا أن يخرج عن مشيه المعتاد ولا أن يعدل عن طريقه أكثر مما جرت العادة بالعدول له في الاستسقاء من العيون والمياه التي يعدل لها عن الطريق والخروج إليه ، وإن خرج إليه فاته أصحابه فإنه يتيمم ولم يحد فيه حدا وروى ابن المواز عن مالك إن لم يخف في نصف الميل إلا العناء فمن الناس من يشق عليه مثل ذلك قال محمد فتأمل قوله المرأة والضعيف بخلاف القوي ، انتهى .

                                                                                                                            من المواق وتقدم كلام ابن شاس الذي نقله في التوضيح إلا أن قوله ، ولا يتحدد ذلك بحد يريد ما لم يخرج عن المعتاد كما تقدم في كلامابن رشد وقال في المقدمات : وطلب الماء عند عدمه إنما يجب مع اتساع الوقت لطلبه والذي يلزم فيه ما جرت العادة من طلبه في رحله وسؤال من يليه ممن يرجو وجوده عنده ، ولا يخشى أن يمنعه إياه والعدول إليه عن طريقه إن كان مسافرا على قدر ما يمكنه من غير مشقة تلحقه مع الأمن على [ ص: 345 ] نفسه ولا حد في ذلك يقتصر عليه لاختلاف أحوال الناس وقالوا في الميلين كثير وفي الميل ونصف الميل مع الأمن أنه يسير وذلك للراكب ، أو للرجل القوي القادر ، انتهى .

                                                                                                                            وقوله كرفقة قليلة ، أو حوله من كثيرة إن جهل بخلهم به يعني أن المسافر يلزمه أن يطلب الماء من رفقته إذا كانت الرفقة قليلة وكان لا يتحقق بخلهم به ، وإن كانت كثيرة فيلزمه الطلب من حوله قال مالك في سماع أشهب : يسأل من يليه ، ومن يظن أنه يعطيه ، وليس عليه أن يتبع أربعين رجلا في الرفقة فيسألهم ولكن يسأل أول من يليه ويرجو ذلك منه وقال في سماع أبي زيد قال مالك : إن علم أنهم يمنعونه فلا يسألهم ، وإن كانوا لا يمنعونه فليسألهم ، انتهى .

                                                                                                                            وقبله ابن رشد وهو ظاهر .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن رشد في سماع أبي زيد : لو ترك طلب الماء عند من يليه ممن يرجو وجوده عنده ويظن أنه لا يمنعه وتيمم وصلى لوجب عليه أن يعيد أبدا إذا وجد الماء ، انتهى .

                                                                                                                            ونقل اللخمي والمازري عن أصبغ أنه إن لم يسأل في الرفقة الكثيرة لم يعد وفي الصغيرة يعيد في الوقت ، وإن كانوا رجلين ، أو ثلاثة أعاد أبدا وضعف اللخمي والمازري قول أصبغ بأن توجه الخطاب بالطلب من النفر اليسير من الرفقة الكثيرة كتوجهه لو كانوا بانفرادهم قال في التوضيح قال اللخمي : ولا وجه أيضا لإيجابه الإعادة بعد خروج الوقت إذا كانوا مثل الرجلين والثلاث وقال : أرى إن كان الغالب عنده أنهم يعطونه إذا طلب أن يعيد أبدا في الموضعين ، وإن أشكل الأمر ولم يطلب جاز أن يقال : يعيد في الوقت ; لأن الأصل الطلب ، انتهى .

                                                                                                                            فتحصل من هذا أنه إذا ترك الطلب ممن يليه ويغلب على ظنه أنه يعطيه أنه يعيد أبدا على ما قاله اللخمي وابن رشد سواء ترك ذلك من رفقة قليلة ، أو كثيرة خلافا لأصبغ ، وإن كان يشك في إعطائهم يعيد في الوقت على ما قال اللخمي من غير تفصيل أيضا خلافا لأصبغ في تفصيله فتأمله وقال ابن عرفة ( أجيب ) عن تفرقة أصبغ بأن الثلاثة مظنة وجود الماء لامتناع اتكالهم على غيرهم لانفرادهم ورد بأنه لو كان لعلمه ; لأن علم حال الثلاثة الرفقاء أقرب من علم حال غيرهم ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) ولو طلب الماء ممن يليه فقالوا ليس عندنا ماء فتيمم ثم وجد الماء عندهم فقال في سماع ابن أبي زيد : إن كانوا ممن يظن أنهم لو علموا بالماء لم يمنعوه فليعد في الوقت ، وإن كان يظن أنه لو كان معهم ماء منعوه فلا إعادة عليه قال ابن رشد : وهذا كما قال ; لأن وجود الماء عند من يقرب منه ممن كان يلزمه طلبه بعد أن طلبه منه كوجوده عند نفسه فيعيد في الوقت استحسانا ; لأنه فعل ما افترض عليه وقال أصبغ : يعيد أبدا وقول مالك هو الصحيح ، انتهى والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن حبيب : وفي الطلب ممن يليه من الرفقة ثالثها إن كانوا نحو الثلاثة طلب وإلا أعاد أبدا قال في التوضيح : ظاهر كلام المصنف أن في المسألة ثلاثة أقوال : وجوب الطلب وإن ترك أعاد أبدا ، والثاني نفي الوجوب ، والثالث يجب في الرفقة اليسيرة ، وإن لم يطلب أعاد أبدا ، ولا يجب في الرفقة الكثيرة قال ابن هارون وابن راشد : ولم نر أحدا نقل ما نقل المصنف ، انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة : وقول ابن الحاجب وفي الطلب إلى آخره لا أعرفه ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية