الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الكلام على الواو المدية وصورها حذفا وإثباتا

للواو المدية أربع حالات كالألف وهي كما يلي :

الحالة الأولى : إثباتها في الحالين تبعا لرسمها في المصحف الشريف . وذلك في كل ما ثبتت فيه رسما بشرط ألا يقع بعدها ساكن كقوله تعالى : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ونحو " مهلكو وأوفوا وملاقو " في قوله تعالى : إنا مهلكو أهل هذه القرية وقوله سبحانه : وأوفوا بالعهد وقوله تعالى : الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وما إلى ذلك .

والإثبات في الحالين في هذه الحال متفق عليه بين عامة القراء .

الحالة الثانية : حذفها في الحالين وهذا إذا كانت غير مرسومة في المصحف الشريف بسبب جزم أو بناء أو غيرهما .

مثال المحذوفة للجازم الفعل المضارع المجزوم بحذف الواو نحو " يخل ويعش وتدع ونعف ولا تقف " في قوله تعالى : يخل لكم وجه أبيكم وقوله سبحانه : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وقوله تعالى : [ ص: 528 ] أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى وقوله سبحانه : إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين وقوله جل وعلا : ولا تقف ما ليس لك به علم ونحو ذلك .

ومثال المحذوفة للبناء فعل الأمر للواحد المذكر المبني على حذف الواو نحو " اعف وادع واتل " في قوله تعالى : واعف عنا واغفر لنا وارحمنا وقوله سبحانه : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقوله تعالى : فلذلك فادع وقوله جل وعلا : اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة وشبهه . فالوقف على هذه الأفعال أو تلك بحذف الواو وسكون الحرف الأخير لعامة القراء .

أما مثال ما حذفت منه الواو لغير الجزم والبناء فهو في أربعة أفعال باتفاق المصاحف والقراء وهي " يدع ويمحو وسندع " في قوله تعالى : يوم يدع الداع بالقمر ، وقوله سبحانه : ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير بالإسراء ، وقوله تعالى : ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته بالشورى ، وقوله جل شأنه : سندع الزبانية بالعلق .

وكذلك حذفت الواو من الاسم في موضع واحد وهو " صالح " في قوله تعالى : وصالح المؤمنين بالتحريم على القول بأنه جمع مذكر سالم .

وقد نظم هذه المواضع الخمسة شيخ مشايخي العلامة المتولي في " اللؤلؤ [ ص: 529 ] المنظوم " بقوله :


يمح بشورى يوم يدع الداع مع ويدع الإنسان سندع الواو دع     وهكذا وصالح الذي ورد
في سورة التحريم فاظفر بالرشد

ا هـ

وحذف الواو هنا متفق عليه .

الحالة الثالثة : حذفها في الوصل وإثباتها في الوقف وذلك إذا وليها ساكن فتحذف في الوصل تخلصا من التقاء الساكنين وتثبت في الوقف وفاقا للرسم سواء كانت في اسم أو في فعل .

فمثال وجودها في الاسم نحو " ملاقو وكاشفو ومرسلو وأولو وصالو " في نحو قوله تعالى : قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وقوله سبحانه : إنا كاشفو العذاب قليلا وقوله جل وعلا : إنا مرسلو الناقة فتنة لهم وقوله تعالى : إنما يتذكر أولو الألباب وقوله سبحانه : إنهم صالو النار وما إلى ذلك .

ومثال وجودها في الفعل نحو " يمحو وأسروا وأوفوا فاستبقوا يرجوا تبوءوا ويقيموا ويؤتوا وجابوا " في قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت وقوله تعالى : وأسروا النجوى وقوله سبحانه : وأوفوا الكيل إذا كلتم وقوله جل جلاله : فاستبقوا الصراط وقوله جل وعلا : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر [ ص: 530 ] وقوله سبحانه : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم وقوله سبحانه : ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وقوله تعالى : وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وما جاء على هذا النحو .

هذا : وحذف الواو في الوصل وإثباتها في الوقف في هذه الحالة متفق عليه .

الحالة الرابعة : إثباتها في الوصل وحذفها في الوقف على العكس من الحالة السابقة وذلك إذا كانت صلة لهاء الضمير نحو قوله تعالى : له ملك السماوات والأرض وقوله تعالى : أيحسب أن لم يره أحد وما أشبه ذلك . والوقف هنا بحذف واو الصلة وسكون الهاء باتفاق القراء قاطبة تبعا للرسم كما مر في باب المد والقصر " فصل هاء الضمير " وبالله التوفيق .

الكلام على الياء المدية وصورها حذفا وإثباتا

للياء المدية خمس حالات وإليك بيانها :

الحالة الأولى : إثباتها في حالتي الوصل والوقف تبعا لرسمها في المصحف الشريف وذلك في كل ما ثبتت فيه رسما بشرط ألا يقع بعدها ساكن نحو " سآوي ويعصمني ويقضي وتوفني وألحقني وإني " في نحو قوله تعالى : قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء وقوله تعالى : والله يقضي بالحق وقوله جل وعلا : توفني مسلما وألحقني بالصالحين وقوله جل جلاله : إني تبت إليك وإني من المسلمين [ ص: 531 ] ، وما كان على هذا النحو . وهذا هو الضابط في إثبات الياء في الحالين لعامة القراء غير أن هناك ثماني عشرة ياء في أربعة وعشرين موضعا في التنزيل ثبتت رسما في الحالين ولها نظائر حذفت منها ولا بد للقارئ من معرفتها جيدا لئلا يلتبس عليه الأمر فيذهب إلى حذف الثابتة منها أو العكس وهو من اللحن .

ومن تلك الياءات الثابتة في الحالين لعامة القراء الياء في كلمة " الأيدي " في الموضع الثاني من سورة ص في قوله تعالى : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ونظيرها كلمة " الأيد " في الموضع الأول من نفس السورة في قوله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب فإن الياء فيها محذوفة رسما ولفظا ووصلا ووقفا بالإجماع وفي هذه المسألة يقول بعضهم :


ويا أولي الأيدي بإثبات وصف     وياء ذا الأيد لكلهم حذف

ا هـ

فإذا وقف على كلمة " الأيدي " الثانية وقف بإثبات الياء وإذا وقف على كلمة " الأيد " الأولى وقف بحذفها والحذف في هذه والإثبات في تلك متفق عليه كما مر فتأمل .

وأما باقي الياءات الثابتة في الحالين المجمع عليها ذات النظائر المحذوفة مطلقا فهي " واخشوني " في قوله تعالى : فلا تخشوهم واخشوني ولأتم " ويأتي " في قوله سبحانه : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق الموضعان بالبقرة . " فاتبعوني " في قوله تعالى : فاتبعوني يحببكم الله بآل عمران، " وهداني " في [ ص: 532 ] قوله سبحانه : هداني ربي إلى صراط مستقيم " ويأتي " في قوله سبحانه : يوم يأتي بعض آيات ربك كلاهما بالأنعام " ويأتي " أيضا في قوله تعالى : يوم يأتي تأويله " والمهتدي " في قوله سبحانه : من يهد الله فهو المهتدي الموضعان بالأعراف " وديني " في قوله تعالى : إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام، و " فكيدوني " في قوله تعالى : فكيدوني جميعا بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام، " ونبغي " في قوله سبحانه : قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا " واتبعني " في قوله تعالى : على بصيرة أنا ومن اتبعني الموضعان بسورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، " وتأتي " في قوله سبحانه : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها بالنحل " وتسألني " في قوله سبحانه : فلا تسألني عن شيء بالكهف و " فاتبعوني " في قوله تعالى : فاتبعوني وأطيعوا أمري بسورة طه صلى الله عليه وسلم " ويهديني في قوله تعالى : عسى ربي أن يهديني سواء السبيل بالقصص " ويا عبادي " في قوله تعالى : يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة بالعنكبوت، " واعبدوني " في قوله تعالى : وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [ ص: 533 ] بيس، " وديني ويتقي ويا عبادي وهداني " في قوله تعالى : قل الله أعبد مخلصا له ديني وقوله سبحانه : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وقوله سبحانه : لو أن الله هداني لكنت من المتقين وهذه المواضع الأربعة بالزمر " وأخرتني " في قوله تعالى : رب لولا أخرتني إلى أجل بالمنافقون ، " ودعائي " في قوله تعالى : فلم يزدهم دعائي إلا فرارا بسورة سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام .

أما نظائرها المحذوفة في الرسم باستثناء نظير كلمة " الأيدي " بص فإنها قد ذكرت في سبع عشرة ياء في عشرين موضعا وهي " اخشون " في قوله تعالى : واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا بالمائدة " ويأت " في قوله تعالى : يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام " واتبعون " في قوله تعالى : يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد بغافر وفي قوله سبحانه : واتبعون هذا صراط مستقيم بالزخرف " وهدان " في قوله تعالى : قال أتحاجوني في الله وقد هداني بالأنعام "

[ ص: 534 ] والمهتد " في قوله تعالى : ومن يهد الله فهو المهتدي بالإسراء، وفي قوله سبحانه : من يهد الله فهو المهتد بالكهف " وكيدون " في قوله سبحانه : ثم كيدون فلا تنظرون بالأعراف، " ونبغ " في قوله تعالى : قال ذلك ما كنا نبغ بالكهف " واتبعن " في قوله تعالى : فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن بآل عمران، " وتسألن " في قوله تعالى : فلا تسألني ما ليس لك به علم بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام " ويهدين " في قوله تعالى : وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا بالكهف " وفاعبدون " في قوله تعالى : وأنا ربكم فاعبدون بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام " ويتق " في قوله تعالى : إنه من يتق ويصبر سورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، " وأخرتن " في قوله سبحانه : لئن أخرتن إلى يوم القيامة بالإسراء، " ودعاء " في قوله سبحانه : ربنا وتقبل دعاء بسورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام " ودين " في قوله تعالى : لكم دينكم ولي دين بالكافرون ، " وعباد ويا عباد وقل يا عباد " في قوله تعالى : فبشر عباد الذين يستمعون القول وقوله سبحانه : [ ص: 535 ] يا عباد فاتقون وقوله جل وعلا : قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم وهذه الثلاثة بالزمر .

والحذف في هذه الياءات مختلف فيه بين القراء وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ في جميعها بالحذف قولا واحدا بخلاف الإثبات في نظائرها التي تقدمت فإنه متفق عليه بينهم فتفطن كثيرا لحذف هذه لحفص وإثبات تلك لكلهم وبالله التوفيق .

الحالة الثانية : حذف الياء في الحالين وذلك إذا كانت غير مرسومة في المصحف الشريف وهذا الحذف يكون غالبا في صور ست وفيما يلي ذكرها :

الصورة الأولى : الفعل المضارع المعتل المجزوم بحذف الياء نحو " تمش وتبغ " في قوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا وقوله سبحانه : ولا تبغ الفساد في الأرض

الصورة الثانية : فعل الأمر المبني على حذف الياء نحو " اتق وآت وابتغ " في قوله تعالى : اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين وقوله سبحانه : وآت ذا القربى حقه وقوله عز من قائل : وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة

الصورة الثالثة : الاسم المنادى المضاف إلى ياء المتكلم سواء حذف منه حرف النداء أم لم يحذف .

فالأول : نحو " رب " في قوله تعالى : رب اغفر لي ولوالدي وقوله تعالى : رب أرني كيف تحي الموتى وقوله سبحانه : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة

[ ص: 536 ] والثاني : نحو " يا قوم يا عباد " في قوله تعالى : " يا قوم اعبدوا الله " ، وقوله سبحانه : يا عباد فاتقون وقوله تعالى : قل يا عباد الذين آمنوا الموضع الأول بالزمر والحذف في هذه الصور الثلاث متفق عليه غير أنه استثني من الصورة الثالثة كلمتان أثبتت فيهما الياء مع وجود حرف النداء من غير خلاف في المصاحف كلها وهما في قوله تعالى : يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي بالعنكبوت، وقوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الموضع الثاني بسورة الزمر، واختلف في موضع واحد وهو قوله عز من قائل : يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون بالزخرف فرسم في المصاحف المدنية والشامية بإثبات الياء بعد الدال وفي المصاحف المكية والعراقية بحذفها، وكما اختلفت المصاحف الشريفة في هذه الكلمة اختلف القراء فيها أيضا فبعضهم أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف حرف مد ولين . وبعضهم أثبتها ساكنة حرف مد ولين في الوصل والوقف . وبعضهم حذفها في الحالين . وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن قرأ بحذف الياء في الحالين ووقف على الدال الساكنة .

الصورة الرابعة : الأسماء المنقوصة المرفوعة والمجرورة إذا كانت منونة [ ص: 537 ] فقد اتفقت المصاحف على حذف الياء منها من أجل تنوينها . والوارد منها في القرآن الكريم ثلاثون اسما في سبعة وأربعين موضعا وهي كما يلي : ( باغ ولا عاد ومن موص وعن تراض ولا حام ولآت وغواش ولهم أيد ولعال وأنه ناج وهاد وواق ومستخف ووال وواد وباق ومفتر وليال [ ص: 538 ] وقاض وزان وهو جاز وبكاف ومعتد وفان وحميم ءان دان ومهتد وملاق ومن راق وهار ) . على أنه مقلوب فكل هذه الأسماء محذوفة الياء في الحالين تبعا للرسم والوقف عليها بسكون الحرف الأخير منها للكل ومنهم حفص عن عاصم فتأمل .

الصورة الخامسة : الياءات الزوائد وهي الياءات المتطرفة الزائدة في التلاوة على رسم المصاحف العثمانية ولكونها زائدة في التلاوة على الرسم عند من أثبتها سميت بالزوائد وفي حال ثبوتها لا يكون ما بعدها إلا متحركا . وتكون في الأسماء نحو " المتعال والتناد " في قوله تعالى : عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال [ ص: 539 ] وقوله سبحانه : ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد وفي الأفعال نحو " فارهبون ويسر وأكرمن " في قوله تعالى : وإياي فارهبون وقوله سبحانه : والليل إذا يسر وقوله تعالى : فيقول ربي أكرمن

وجملتها في القرآن الكريم مائة وإحدى وعشرون ياء وقد اختلف القراء العشرة في إثباتها وحذفها وصلا أو وصلا ووقفا وتفصيل ذلك مبسوط في كتب الخلاف تركنا ذكره هنا طلبا للاختصار ومراعاة لحال المبتدئين . وبالنسبة لحفص عن عاصم فإن مذهبه في جميعها الحذف مطلقا تبعا للرسم . ولهذا عددناها من الياءات المحذوفة في الحالين فتأمل .

الصورة السادسة : الياءات الزوائد التي تقدم تعريفها في الصورة الخامسة قبل هذه غير أنها في هذه الصورة وقع بعدها ساكن وحينئذ تحذف لفظا ورسما للتخلص من التقاء الساكنين وجملتها في التنزيل إحدى عشرة ياء في ستة عشر موضعا وهي " يؤت " في قوله تعالى : وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما بالنساء " واخشون " في قوله تعالى : فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم بالمائدة " ويقص " في قوله سبحانه : يقص الحق وهو خير الفاصلين بالأنعام وذلك على قراءة من قرأ بسكون القاف وبالضاد المعجمة المكسورة وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن قرأ بضم القاف وبالصاد المهملة المضمومة المشددة وعليه فلا دخل لهذه الياء في قراءته " وننج " في قوله تعالى : كذلك حقا علينا ننج المؤمنين بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام " [ ص: 540 ] والواد " في قوله تعالى : إنك بالواد المقدس طوى بسورة طه صلى الله عليه وسلم ، وقوله سبحانه : إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى بالنازعات " وواد " في قوله تعالى : حتى إذا أتوا على واد النمل بالنمل " والواد " في قوله تعالى : نودي من شاطئ الواد الأيمن بالقصص " ولهاد " في قوله تعالى : وإن الله لهاد الذين آمنوا بالحج " وبهاد " في قوله تعالى : وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم بالروم " ويردن " في قوله تعالى : إن يردن الرحمن بيس " وصال " في قوله تعالى : إلا من هو صال الجحيم بالصافات، " ويناد " في قوله تعالى : يوم يناد المناد بق، " وتغن " في قوله سبحانه : فما تغن النذر بالقمر، " والجوار " في قوله تعالى : وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام بسورة الرحمن جل وعلا، وفي قوله سبحانه : الجوار الكنس بالتكوير .

وقد اتفق القراء العشرة على حذف هذه الياءات وصلا للساكن كما تقدم . واختلفوا في إثباتها وقفا .

فمنهم من أثبتها كلها .

[ ص: 541 ] ومنهم من أثبت بعضها .

ومنهم من حذف جميعها وتفصيل هذا مبسوط في كتب الخلاف تركنا ذكره هنا رغبة في الاختصار وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن قرأ بالحذف فيها جميعا فتنبه .

الحالة الثالثة : إثباتها في الوقف وحذفها لفظا في الوصل وذلك إذا وليها ساكن فتحذف في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين وثبتت في الوقف تبعا للرسم سواء كانت في الأفعال أو في الحروف أو في الأسماء وهذا مما لا خلاف فيه بين القراء .

ففي الأفعال : نحو " تسقي ويؤتي ويربي ويأتي وأوفي وادخلي " في قوله تعالى : ولا تسقي الحرث وفي قوله تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء وفي قوله سبحانه : يمحق الله الربا ويربي الصدقات وقوله عز وجل : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وقوله جل وعلا : ألا ترون أني أوفي الكيل وقوله سبحانه : قيل لها ادخلي الصرح وما إلى ذلك .

وفي الحروف نحو " إني وليتني " في نحو قوله تعالى : إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وفي قوله تعالى : يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا على قراءة من سكن الياء في الوصل كحفص عن عاصم .

وفي الأسماء : نحو " عهدي وقومي وبعدي " في قوله تعالى : قال لا ينال عهدي الظالمين وقوله سبحانه : إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا [ ص: 542 ] وقوله عز وجل : ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وهذا على قراءة من سكن الياء في الوصل كحفص عن عاصم ، ونحو " أيدي وبهادي ومخزي " في قوله تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس وفي قوله سبحانه : يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وقوله تعالى : وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم بالنمل، وقوله تعالى : وأن الله مخزي الكافرين وهذا بالاتفاق، وكذلك فيما أشبهه ومنه جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور بالياء المضاف لما بعده والوارد منه في القرآن الكريم سبعة مواضع وهي : " حاضري ومحلي ومعجزي وآتي والمقيمي ومهلكي " في قوله تعالى : لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا بالبقرة، وقوله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم بالمائدة، وقوله سبحانه : واعلموا أنكم غير معجزي الله وقوله سبحانه : وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم الموضعان بالتوبة، وقوله تعالى إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا بمريم، وقوله جل وعلا : والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون بالحج وقوله تعالى : وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [ ص: 543 ] بالقصص . وقد نظمها بعضهم فقال :


محلي مقيمي حاضري معجزي معا     وفي مريم آتي كذا مهلكي القرى
فبالياء قف في الكل للكل مبتلى     لحذف سكون بعد ذي الياء قد جرى

ا هـ

والحكم في هذه الحالة متفق عليه بين الشموس العشرة .

" تنبيه هام " : بخصوص الوقف على جمع المذكر السالم المضاف لما بعده .

مما لا يخفى أن جمع المذكر السالم المضاف لما بعده الذي تقدم ذكره آنفا كان قبل الإضافة هكذا " حاضرين محلين . . إلخ " فلما أضيف لما بعده حذفت منه النون كما هو مقرر وبقيت الياء مرسومة وعند الوقف يوقف بها تبعا للرسم، وعند الوصل تحذف لفظا لالتقاء الساكنين كما هي القاعدة . وعليه : فإذا وقف على كلمة من كلمات الجمع السابقة لا يجوز بحال رد النون المحذوفة بحجة الوقف عليها وزوال إضافتها لما بعدها لأن الوقف حينئذ لا يزال بنية الإضافة وهذا هو الصواب خلافا لمن قال برد النون بحجة الوقف عليها وزوال إضافتها وهذا خطأ فاحش لا يجوز في القرآن الكريم لأنه لو زيدت النون لزيد في القرآن ما ليس منه وقد تكلم العلماء في هذه المسألة ردا على من قال بزيادة النون وقفا ونورد هنا بعضا من كلامهم .

قال صاحب " منار الهدى في بيان الوقف والابتدا " بعد أن عدد مواضع الجمع السالفة الذكر ما نصه " ومن لا مساس له بهذا الفن يعتقد أو يقلد من لا خبرة له أن النون تزاد حالة الوقف ويظن أن الوقف على الكلمة يزيل حكم الإضافة ولو زال حكمها لوجب أن لا يجر ما بعد الياء لأن الجر إنما أوجدته الإضافة . فإذا زالت وجب أن يزول حكمها وأن يكون ما بعدها مرفوعا فمن زعم [ ص: 544 ] رد النون فقد أخطأ وزاد في القرآن ما ليس منه " ا هـ منه بلفظه .

وقال صاحب المشكلات بعد أن عدد مواضع الجمع المشار إليها آنفا ما نصه : " ولا ترد نون الجمع في الوقف لحذفها في الرسم ولأن الوقف فيها على نية الإضافة ومثلها نون المثنى في تبت يدا أبي لهب وتب ا هـ منه بلفظه " قلت " : ولا ترد نون المثنى أيضا في نحو قوله تعالى : وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقوله سبحانه : فانبجست منه اثنتا عشرة عينا وقوله جل وعلا : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض بأن وقف على لفظ " اثني " أو " اثنتا " أو " اثنا " فالوقف على هذه الكلمات ونحوها يكون على الياء ساكنة في " اثني " وعلى الألف في " اثنتا " و " اثنا " من غير رد النون ولا يزال الوقف بنية الإضافة كما مر .

هذا : ومثل جمع المذكر السالم المنصوب والمجرور المضاف لما بعده في حكم الوقف عليه جمع المذكر السالم المرفوع بالواو المضاف لما بعده أيضا سواء وقع قبل ساكن أو قبل متحرك .

فالواقع قبل الساكن نحو " ملاقو وكاشفو وأولو " نحو الذين يظنون أنهم ملاقو الله وقوله سبحانه إنا كاشفو العذاب قليلا وقوله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة

والواقع قبل المتحرك نحو " ملاقو وناكسو وباسطو وأولو " في قوله تعالى : [ ص: 545 ] الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وقوله تعالى : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم وقوله سبحانه : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم وقوله تعالى : قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد فإذا وقف على كلمة من هذه الكلمات ونحوها يوقف على الواو ساكنة حرف مد ولا يجوز بحال رد النون المحذوفة بحجة الوقف عليها لما سبق والله تعالى أعلم .

الحالة الرابعة : إثباتها في الوصل وحذفها في الوقف وهذا إذا كانت صلة لهاء الضمير كقوله تعالى : ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا وقوله سبحانه : يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا فالوقف في هذه الحالة بحذف يا الصلة وسكون الهاء بالإجماع تبعا للرسم كما تقدم .

الحالة الخامسة : إثباتها في الوصل وجواز الوجهين في الوقف وهذا في لفظ واحد وهو " آتان " في قوله تعالى : آتاني الله خير مما آتاكم بالنمل حسب قراءة حفص عن عاصم فحسب فقد قرأ رضي الله عنه بإثبات الياء المفتوحة في الوصل وبجواز الوجهين في الوقف - أي بإثبات الياء ساكنة حرف مد وبحذفها مع سكون النون . والإثبات هو المقدم في الأداء على الحذف إن وقف بهما معا وليس اللفظ بمحل للوقف إلا للضرورة أو للاختبار " بالموحدة " فتفطن والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية