الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        117 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا الحكم قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام ثم قال نام الغليم أو كلمة تشبهها ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتينثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ثم خرج إلى الصلاة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا الحكم ) بفتحتين هو ابن عتيبة بالمثناة تصغير عتبة ، وهو تابعي صغير ، وكان أحد الفقهاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم جاء ) أي : من المسجد .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 257 ] قوله : ( نام الغليم ) بضم المعجمة وهو من تصغير الشفقة ، والمراد به ابن عباس ، ويحتمل أن يكون ذلك إخبارا منه - صلى الله عليه وسلم - بنومه أو استفهاما بحذف الهمزة وهو الواقع . ووقع في بعض النسخ : " يا أم الغليم " بالنداء وهو تصحيف لم تثبت به رواية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أو كلمة ) بالشك من الراوي ، والمراد بالكلمة الجملة أو المفردة ، ففي رواية أخرى " نام الغلام " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( غطيطه ) بفتح الغين المعجمة وهو صوت نفس النائم ، والنخير أقوى منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أو خطيطه ) بالخاء المعجمة ، والشك فيه من الراوي ، وهو بمعنى الأول قاله الداودي . وقال ابن بطال : لم أجده بالخاء المعجمة عند أهل اللغة . وتبعه القاضي عياض فقال : هو هنا وهم ، انتهى . وقد نقل ابن الأثير عن أهل الغريب أنه دون الغطيط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم صلى ركعتين ) أي : ركعتي الفجر . وأغرب الكرماني فقال : إنما فصل بينهما وبين الخمس ولم يقل سبع ركعات لأن الخمس اقتدى ابن عباس به فيها بخلاف الركعتين ، أو لأن الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر انتهى ، وكأنه ظن أن الركعتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل لكن حملهما على سنة الفجر أولى ليحصل الختم بالوتر ، وسيأتي تفصيل هذه المسألة في كتاب الصلاة في باب الوتر إن شاء الله تعالى . ومناسبة حديث ابن عمر للترجمة ظاهرة لقوله فيه : " قام فقال " بعد قوله : " صلى العشاء " وأما حديث ابن عباس فقال ابن المنير ومن تبعه : يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة وهي قوله : " نام الغليم " ، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل ، فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم ، زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله إياه على يمينه كأنه قال له : قف عن يميني . فقال : وقفت ا هـ . وكل ما ذكره معترض ; لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرا ، وصنيع ابن عباس يسمى سهرا لا سمرا إذ السمر لا يكون إلا عن تحدث قاله الإسماعيلي ، وأبعدها الأخير لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرا . وقال الكرماني تبعا لغيره أيضا : يحتمل أن يكون مراد البخاري أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة وحديثه - صلى الله عليه وسلم - كله علم وفوائد . قلت : والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى ، وهذا يصنعه المصنف كثيرا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث ، والنظر في مواقع ألفاظ الرواة ; لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن . وإنما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحا على حقيقة السمر بعد العشاء ، وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من طريق كريب عن ابن عباس قال : بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة ثم رقد . . الحديث . فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن . فإن قيل : هذا إنما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم ، فالجواب أنه يلحق به ، والجامع تحصيل الفائدة ، أو هو بدليل الفحوى ; لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى . وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث حيث ذكره المصنف مطولا في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى . ويدخل في هذا الباب حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم بعد العشاء ، وقد ذكره المصنف في كتاب الصلاة . ولأنس حديث آخر في قصة أسيد [ ص: 258 ] بن حضير وقد ذكره المصنف في المناقب ، وحديث عمر " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين " أخرجه الترمذي والنسائي ورجاله ثقات ، وهو صريح في المقصود ، إلا أن في إسناده اختلافا على علقمة ، فلذلك لم يصح على شرطه . وحديث عبد الله بن عمرو : " كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم إلا إلى عظيم صلاة " رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة ، وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمرو وليس على شرط البخاري ، وأما حديث " لا سمر إلا لمصل أو مسافر " فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول ، وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة ، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى : " الصلاة " فقال عمر : إنا في صلاة . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية