الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا قسم الغنيمة ضرب للفارس بسهمين وللراجل بسهم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو قول أهل العراق وفي قولهما والشافعي رحمهم الله تعالى يضرب للفارس بثلاثة أسهم وهو قول أهل الشام وأهل الحجاز لحديث عبد الله بن العمري رضي الله تعالى عنهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم { أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه } { وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على ثمانية عشر سهما وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس وباسم كل مائة سهم } فتبين أنه جعل سهم الفرس ضعف سهم الرجل وعند تعارض الأخبار المصير إلى ما روينا أولى لما فيه من إثبات الزيادة ولأنه اتفق عليه أهل الشام وأهل الحجاز فهم أعرف بذلك من أهل العراق ثم مؤنة الفرس أعظم من مؤنة الرجل والاستحقاق باعتبار التزام المؤنة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بحديث عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { قسم للفارس سهمين سهما له وسهما لفرسه } وعبيد الله أوثق من أخيه عبد الله رضي الله تعالى عنهما وفي حديث كريمة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها المقداد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { أسهم له يوم بدر سهمين سهما له وسهما لفرسه } .

وفي حديث مجمع بن يعقوب بن مجمع عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم { أسهم للفارس يوم خيبر سهمين } وما رووا { أنه قسم خيبر على ثمانية عشر سهما } صحيح لكن ذكر في هذا الحديث أن الخيل كانت ثلثمائة ولو ثبت ما رووا فالمراد من قوله وكانت الخيل مائتي فرس الخيل بفرسانها والرجال ألف وأربعمائة أي الرجالة قال الله تعالى { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } أي بفرسانك ورجالتك وقال تعالى { يأتوك رجالا } أي رجالة فتبين بهذا أن الناس كانوا ألفا وستمائة فإذا كان باسم كل مائة سهم كان للفارس سهمان وللراجل سهم ثم المصير إلى ما روينا أولى لأنه هو المتيقن وما رجح به من إثبات الزيادة متعارض ففيما روينا إثبات الزيادة في نصيب الراجل ثم في هذا تفضيل البهيمة على الآدمي وذلك غير جائز لأن الاستحقاق [ ص: 42 ] بالقتال والرجل يقاتل وحده والفرس لا تقاتل ولهذا كان القياس أن لا يسوي بين الفرس والرجل وأن لا يستحق بالفرس شيئا لأنه آلة من آلات الحرب كسائر الآلات ، ولكن الآثار اتفقت على سهم واحد فأخذنا بما اتفق عليه الأثر وأبقينا ما اختلف فيه الأثر على أصل القياس ولا معنى لاعتبار المؤنة فصاحب الحمار والبغل يلتزم المؤنة أيضا ولا يستحق به شيئا وصاحب الفيل والبعير مؤنته أكثر ثم لا يستحق بهما شيئا مع أنا لا نسلم أن مؤنة الفرس أكثر فإن ما يحتاج إليه الفرس من العلف يوجد مباحا ومطعوم بني آدم من الخبز واللحم لا يوجد إلا بثمن ومذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى مروي عن عمر رضي الله عنه وصاحب البرذون والهجين والمقرف كصاحب الفرس العربي في استحقاق السهم به عندنا سواء وقال أهل الشام لا يسهم للبراذين ورووا فيه حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه شاذ والمشهور لهم حديث عمر رضي الله عنه على ما روي أن الخيل أغارت بالشام وعلى القوم المنذر بن أبي خمصة الوداعي فأدركت العراب اليوم والبراذين ضحى الغد فلم يسهم المنذر للبراذين وقال : لا أجعل من أدرك كمن لا يدرك وكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال : هبلت الوداعي أمه لقد أذكت به وفي رواية لقد أذكرته أمضوها على ما قال .

( وحجتنا ) في ذلك أن استحقاق السهم بالخيل لمعنى إرهاب العدو قال الله تعالى { ومن رباط الخيل } الآية والإرهاب يحصل بالبرذون كما يحصل بالفرس العربي ثم العربي في الطلب والهرب أقوى والبرذون أقوى على الحرب وأصبر وألين عطفا عند اللقاء ففي كل جانب نوع منفعة معتبرة ومعنى التزام المؤنة يجمعهما وتأويل حديث عمر رضي الله عنه أن المنذر فعل ذلك باجتهاده فأمضى عمر رضي الله عنه اجتهاده وهكذا نقول ومن الناس من يقول يستحق بالفرس العربي سهمان وبما سوى ذلك سهم واحد وهذا بعيد فإن البرذون فرس العجم والعربي فرس العرب وكما يسوي بين العجمي والعربي في استحقاق السهم فكذلك في الخيل والهجين ما يكون أبوه من الكوادن وأمه عربية والمقرف ما يكون أبوه عربيا وأمه من الكوادن ومعنى قوله لقد ذكت به أتت به ذكيا وقوله أذكرته أتت به ذكرا جلدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية