الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  10589 - حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا هاشم بن محمد بن سعيد بن خيثم الهلالي ، ثنا أبو عامر الأسدي ، ثنا موسى بن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، عن ربعي بن حراش قال : استأذن عبد الله بن عباس على معاوية ، وقد تحلفت عنده بطون قريش ، وسعيد بن العاص جالس عن يمينه ، فلما نظر إليه معاوية قال : يا سعيد ، والله لألقين على ابن عباس مسائل يعيى بجوابها ، فقال له سعيد : ليس مثل ابن عباس يعيى بمسائلك ، فلما جلس قال له معاوية : ما تقول في أبي بكر ؟ قال : رحم الله أبا بكر ، كان والله للقرآن تاليا ، وعن الميل نائيا ، وعن [ ص: 239 ] الفحشاء ساهيا ، وعن المنكر ناهيا ، وبدينه عارفا ، ومن الله خائفا ، وعن المهلكات جانفا ، وبالليل قائما ، وبالنهار صائما ، ومن دنياه سالما ، وعلى عدل البرية عازما ، وبالمعروف آمرا ، وإليه صابرا ، وفي الأحوال شاكرا ، ولله في الغدو والآصال ذاكرا ، ولنفسه بالمصالح قاهرا ، فاق ، وراق أصحابه ورعا وكفافا ، وزهدا وعفافا ، وبرا وحياطة ، وزهادة وكفاية ، فأعقب الله من ثلبه اللعائن إلى يوم القيامة " .

                                                                  قال معاوية : فما تقول في عمر بن الخطاب ؟ قال : " رحم الله أبا حفص ، كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام ، ومحل الإيمان ، وملاذ الضعفاء ، ومعقل الحنفاء ، للخلق حصنا ، وللناس عونا ، قام لحق الله صابرا ومحتسبا ، حتى أظهر الله به الدين ، وفتح الديار ، وذكر الله في الأقطار والمناهل ، وعلى التلال ، وفي الضواحي والبقاع ، وعند الخنا وقورا ، وفي الرخاء والشدة شكورا ، ولله في كل وقت وآناء ذكورا ، فأعقب الله من تنقصه اللعنة إلى يوم الحسرة " .

                                                                  قال معاوية : فما تقول في عثمان بن عفان ؟ قال : " رحم الله أبا عمرو ، كان والله أكرم الحفدة ، وأفضل البررة ، وأصبر القراء ، هجادا بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر الله ، دائم الفكر فيما يعينه الليل والنهار ، نهاضا إلى كل مكرمة ، سعاء إلى كل منجية ، فرارا من كل موبقة ، وصاحب الجيش والبئر ، وختن المصطفى على ابنتيه ، فأعقب الله من سبه الندامة إلى يوم القيامة " .

                                                                  قال معاوية : فما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : " رحم الله أبا الحسن ، كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجا ، وطود النهى ، ونور السرى في ظلم الدجى ، وداعية إلى الحجة العظمى ، عالما بما في الصحف الأولى ، وقائما بالتأويل والذكرى ، متعلقا بأسباب الهدى ، وتاركا للجور والأذى ، وحائدا عن طرقات الردى ، وخير من آمن واتقى ، وسيد من تقمص وارتدى ، وأفضل من حج وسعى ، وأسمح من [ ص: 240 ] عدل وسوى ، وأخطب أهل الدنيا إلا الأنبياء ، والنبي المصطفى ، وصاحب القبلتين ، فهل يوازيه موحد ، وزوج خير النساء ، وأبو السبطين ، لم تر عيني مثله ، ولا ترى حتى القيامة واللقاء ، فمن لعنه فعليه لعنة الله والعباد إلى يوم القيامة " .

                                                                  قال : فما تقول في طلحة والزبير ؟ قال : " رحمة الله عليهما ، كانا والله عفيفين مسلمين ، برين طاهرين مطهرين ، شهيدين عالمين ، زلا زلة ، والله غافر لهما إن شاء الله بالنصرة القديمة ، والصحبة القديمة ، والأفعال الجميلة " .

                                                                  قال معاوية : فما تقول في العباس ؟ قال : " رحم الله أبا الفضل ، كان والله صنو رسول الله ، وقرة عين صفي الله ، لهم الأقوام ، وسيد الأعمام قد علاه بصر بالأمور ، ونظر في العواقب ، قد زانه علم ، قد تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته ، وتباعدت الأنساب عند فخر عشيرته ، ولم لا يكون كذلك وقد ساسه أكرم من دب وهب عبد المطلب ؟ أفخر من مشى من قريب وركب " .

                                                                  قال معاوية : فلم سميت قريشا ؟ قال : " بدابة تكون في البحر ، هي أعظم دواب البحر خطرا ، لا تظفر بشيء من دواب البحر إلا أكلته ، فسميت قريش ؛ لأنها أعظم العرب فعالا " ، فقال : هل تروي في ذلك شيئا ؟ فأنشده قول الجمحي :

                                                                  وقريش هي التي تسكن البح ر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تت رك فيها لذي جناحين ريشا هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا كشيشا [ ص: 241 ] ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا وعلا الأرض خيله ورجاله يحشرون المطي حشرا كميشا قال معاوية : صدقت يا ابن عباس ، أشهد أنك لسان أهل بيتك ، فلما خرج ابن عباس من عنده قال لمن عنده : ما كلمته قط إلا وجدته مستعدا .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية