الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المتعنت ربما قال: ما له يخلقهم ثم يهلكهم؛ وهو عالم حين خلقهم أنهم يكذبون؟ وكانت هذه الآية ملتفتة - مع ما فيها من ذكر الأرض - إلى تلك التي أتبعها ذكر الخافقين؛ استدلالا على الساعة؛ قال - على ذلك النمط -: وما خلقنا ؛ أي: على عظمتنا؛ السماوات ؛ أي: على ما لها من العلو والسعة؛ والأرض ؛ على ما بها من المنافع؛ والغرائب؛ وما بينهما ؛ من هؤلاء المكذبين؛ وعذابهم؛ ومن المياه؛ والرياح؛ والسحاب - المسبب عنه النبات -؛ وغير ذلك؛ إلا بالحق ؛ أي: خلقا ملتبسا بالحق؛ فيتفكر فيه من وفقه الله؛ فيعلم النشأة الآخرة بهذه النشأة الأولى؛ أو بسبب الحق من إثبات ثوابت الأمور؛ ونفي مزلزلها؛ لتظهر عظمتنا بإنصاف المظلوم من الظالم؛ وإثابة الطائع؛ وعقاب العاصي في يوم الفصل؛ إلى غير ذلك من الحكم؛ كما قال (تعالى): ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي [ ص: 83 ] الذين أحسنوا بالحسنى ؛ فمن أمهلناه في الدنيا أخذنا منه الحق بعد قيام الساعة؛ فلا بد من فعل ذلك؛ وإن الساعة لآتية ؛ لأجل إقامة الحق؛ لا شك في إتيانها لحكم علمها - سبحانه - فيظهر فيها كل ذلك؛ ويمكن أن يكون التقدير: "فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون؛ وما فعلنا ذلك إلا بالأمر من قولنا "كن" وهو الحق"؛ "وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق"؛ أي: بالأمر؛ "ألا له الخلق والأمر"؛ يعني أنه لا مشقة علينا في شيء من ذلك؛ وسنعدم ذلك بالحق؛ إذا أردنا قيام الساعة؛ وإن الساعة لآتية؛ لأنا قد وعدنا بذلك؛ وليس بينكم وبين كونها إلا أن نريد؛ فتكون؛ كما كان غيرها مما أردناه؛ فاصفح الصفح ؛ أي: فأعرض - بسبب تحقق الأخذ بثأرك - الإعراض الجميل ؛ بالحلم؛ والإغضاء؛ وسعة الصدر؛ في مثل قولهم: يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون ؛ فإنه لا بد من الأخذ لك منهم بالحق؛ ولو لم يكن لك نصرة إلا في ذلك اليوم لكانت كافية;

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية