الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (37) قوله : فتلقى آدم من ربه كلمات : الفاء عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها، و"تلقى" تفعل بمعنى المجرد، وله معان أخر: مطاوعة فعل نحو: كسرته فتكسر، والتجنب نحو: تجنب أي جانب الجنب، والتكلف نحو: تحلم، والصيرورة نحو: تأثم، والاتخاذ نحو: تبنيت الصبي أي: اتخذته ابنا، ومواصلة العمل في مهلة نحو: تجرع وتفهم، [ ص: 295 ] وموافقة استفعل نحو: تكبر، والتوقع نحو: تخوف، والطلب نحو: تنجز حاجته، والتكثير نحو: تغطيت بالثياب، والتلبس بالمسمى المشتق منه نحو: تقمص، أو العمل فيه نحو: تسحر، والختل نحو: تغفلته.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم بعضهم أن أصل تلقى تلقن بالنون فأبدلت النون ألفا، وهذا غلط لأن ذلك إنما ورد في المضعف نحو: قصيت أظفاري وتظنيت وأمليت الكتاب، في: قصصت وتظننت وأمللت.

                                                                                                                                                                                                                                      و من ربه متعلق به، و"من" لابتداء الغاية مجازا، وأجاز أبو البقاء أن يكون في الأصل صفة لكلمات فلما قدم انتصب حالا، فيتعلق بمحذوف، و"كلمات" مفعول به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير بنصب "آدم" ورفع "كلمات"، وذلك أن من تلقاك فقد تلقيته، فتصح نسبة الفعل إلى كل واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لما كانت الكلمات سببا في توبته جعلت فاعلة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يؤنث الفعل على هذه القراءة وإن كان الفاعل مؤنثا [لأنه غير حقيقي، وللفصل أيضا، وهذا سبيل كل فعل فصل بينه وبين فاعله المؤنث بشيء، أو كان الفاعل مؤنثا] مجازيا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فتاب عليه عطف على ما قبله، ولا بد من تقدير جملة قبلها أي: فقالها.

                                                                                                                                                                                                                                      والكلمات جمع كلمة، وهي اللفظ الدال على معنى مفرد ويطلق على الجمل المفيدة مجازا تسمية للكل باسم الجزء كقوله تعالى: [ ص: 296 ] تعالوا إلى كلمة ثم فسرها بقوله: ألا نعبد إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال تعالى: كلا إنها كلمة يريد قوله: رب ارجعون إلى آخره، وقال لبيد:


                                                                                                                                                                                                                                      384 - ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل



                                                                                                                                                                                                                                      فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة، فقال: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد".

                                                                                                                                                                                                                                      والتوبة: الرجوع، ومعنى وصف الله تعالى بذلك أنه عبارة عن العطف على عباده وإنقاذهم من العذاب، ووصف العبد بها ظاهر؛ لأنه يرجع عن المعصية إلى الطاعة، والتواب الرحيم صفتا مبالغة، ولا يختصان بالباري تعالى، قال تعالى: يحب التوابين ولا يطلق عليه "تائب" وإن صرح بفعله مسندا إليه تعالى، وقدم التواب على الرحيم لمناسبة "فتاب عليه" ولأنه موافق لختم الفواصل بالرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنه هو التواب الرحيم نظير قوله: إنك أنت العليم الحكيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأدغم أبو عمرو هاء "إنه" في هاء "هو".

                                                                                                                                                                                                                                      واعترض على هذا بأن بين المثلين ما يمنع [من] الإدغام وهو الواو، وأجيب بأن الواو صلة زائدة لا يعتد بها بدليل سقوطها في قوله: [ ص: 297 ]

                                                                                                                                                                                                                                      385 - له زجل كأنه صوت حاد     إذا طلب الوسيقة أو زمير



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      386 - أو معبر الظهر ينبي عن وليته     ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا



                                                                                                                                                                                                                                      والمشهور قراءة: "إنه" بكسر إن، وقرئ بفتحها على تقدير لام العلة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية