الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (52) قوله تعالى: ثم عفونا عنكم ....

                                                                                                                                                                                                                                      والعفو: المحو، ومنه "عفا الله عنكم" أي: محا ذنوبكم، والعافية لأنها تمحو السقم، وعفت الريح الأثر، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      461 - فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: عفا كذا أي: كثر، ومنه "وأعفوا اللحى" فيكون من الأضداد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية : "العفو تغطية الأثر وإذهاب الحال الأول من الذنب أو غيره، ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي قاله [قريب] من تفسير الغفران؛ لأن الغفر التغطية والستر، ومنه: المغفر، ولكن قد فرق بينهما بأن العفو يجوز أن يكون بعد العقوبة فيجتمع معها، وأما الغفران فلا يكون مع عقوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الراغب : العفو: القصد لتناول الشيء، يقال: عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده، وعفت الريح التراب قصدتها متناولة آثارها، وعفت الديار كأنها قصدت نحو البلى، وعفا النبت والشعر قصد تناول الزيادة، وعفوت عنك كأنه قصد إزالة ذنبه صارفا عنه، وأعفيت كذا أي تركته يعفو ويكثر ومنه "وأعفوا اللحى" فجعل القصد قدرا [ ص: 357 ] مشتركا في العفو، وهذا ينفي كونه من الأضداد، وهو كلام حسن، وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      462 - . . . . . . . . . .     إذا رد عافي القدر من يستعيرها



                                                                                                                                                                                                                                      معناه: أن العافي هنا ما يبقى في القدر من المرق ونحوه، فإذا أراد أحد [أن] يستعير القدر يعلل صاحبها بالعافي الذي فيها، فالعافي فاعل، ومن يستعيرها مفعول، وهو من الإسناد المجازي لأن الراد في الحقيقة صاحب القدر بسبب العافي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تشكرون في محل رفع خبر "لعل"، وقد تقدم تفسير الشكر عند ذكر الحمد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الراغب : "وهو تصور النعمة وإظهارها، وقيل: هو مقلوب عن الكشر أي الكشف وهو ضد الكفر، فإنه تغطية النعمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أصله من عين شكرى أي ممتلئة، فهو - على هذا - الامتلاء من ذكر المنعم عليه".

                                                                                                                                                                                                                                      وشكر من الأفعال المتعدية بنفسها تارة وبحرف الجر أخرى وليس أحدهما أصلا للآخر على الصحيح، فمن المتعدي بنفسه قول عمرو بن لحي:


                                                                                                                                                                                                                                      463 - هم جمعوا بؤسى ونعمى عليكم     فهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 358 ] ومن المتعدي بحرف الجر قوله تعالى: واشكروا لي وسيأتي [هناك] تحقيقه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية