الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (55) قوله تعالى: لن نؤمن لك : إنما تعدى باللام دون الباء لأحد وجهين: إما أن يكون التقدير: لن نؤمن لأجل قولك، وإما أن يضمن معنى الإقرار، أي: [لن] نقر لك بما ادعيته، وقرأ أبو عمرو بإدغام النون في اللام لتقاربهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: "جهرة" فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها مصدر، وفيها حينئذ قولان، أحدهما أن ناصبها محذوف، وهو من لفظها، تقديره: جهرتم جهرة نقله أبو البقاء ، والثاني: أنها مصدر من نوع الفعل فتنتصب انتصاب [ ص: 368 ] القرفصاء من قولك: "قعد القرفصاء"، "واشتمل الصماء"، فإنها نوع من الرؤية، وبه بدأ الزمخشري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها مصدر واقع موقع الحال، وفيها حينئذ أربعة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه حال من فاعل "نرى" أي: ذوي جهرة، قاله الزمخشري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها حال من فاعل "قلتم"، أي: قلتم ذلك مجاهرين، قاله أبو البقاء ، وقال بعضهم: فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: قلتم جهرة لن نؤمن لك، ومثل هذا لا يقال فيه تقديم وتأخير، بل أتى بمفعول القول ثم بالحال من فاعله، فهو نظير: "ضربت هندا قائما".

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها حال من اسم الله تعالى، أي: نراه ظاهرا غير مستور.

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنها حال من فاعل "نؤمن" نقله ابن عطية ، ولا معنى له، والصحيح من هذه الأقوال الستة الثاني.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس "جهرة" بفتح الهاء وفيها قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها لغة في جهرة، قال ابن عطية : "وهي لغة مسموعة عند البصريين فيما فيه حرف الحلق ساكن قد انفتح ما قبله، والكوفيون يجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه"، وقد تقدم تحرير القول في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها جمع "جاهر"، نحو: خادم وخدم، والمعنى: حتى نرى الله كاشفين هذا الأمر، وهي تؤيد كون "جهرة" حالا من فاعل "نرى".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 369 ] والجهر: ضد السر وهو الكشف والظهور، ومنه جهر بالقراءة أي: أظهرها: قال الزمخشري : "كأن الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية، والذي يرى بالقلب مخافت بها".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية