الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (81) قوله تعالى: بلى : حرف جواب كنعم وجير وأجل وإي، إلا أن "بلى" جواب لنفي متقدم، سواء دخله استفهام أم لا، فيكون [ ص: 456 ] إيجابا له نحو قول القائل: ما قام زيد فتقول: بلى، قد قام، وتقول: أليس زيدا قائما؟ فتقول بلى، أي: هو قائم، قال تعالى: ألست بربكم قالوا بلى ويروى عن ابن عباس أنهم لو قالوا: نعم لكفروا.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      567 - أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تداني     نعم وترى الهلال كما أراه
                                                                                                                                                                                                                                      ويعلوها النهار كما علاني



                                                                                                                                                                                                                                      فقيل: ضرورة، وقيل: نظر إلى المعنى; لأن الاستفهام إذا دخل على النفي قرره، وبهذا يقال: فكيف نقل عن ابن عباس أنهم لو قالوا نعم لكفروا، مع أن النفي صار إيجابا؟ وقيل: قوله: "نعم" ليس جوابا لـ"أليس" إنما هو جواب لقوله: "فذاك بنا تداني" فقوله تعالى: بلى رد لقولهم: لن تمسنا النار أي: بلى تمسكم أبدا، بدليل قوله: هم فيها خالدون قاله الزمخشري ، يريد أن "أبدا" في مقابلة قولهم: إلا أياما معدودة وهو تقدير حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      والبصريون يقولون: إن "بلى" حرف بسيط.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم الكوفيون أن أصلها بل التي للإضراب، زيدت عليها الياء ليحسن الوقف عليها، وضمنت الياء معنى الإيجاب، قيل: تدل على رد النفي والياء تدل على الإيجاب، يعنون بالياء الألف، وإنما سموها ياء لأنها تمال وتكتب بالياء، ولتحقيق المذهبين موضع غير هذا، وسيأتي الكلام إن شاء الله في بقية حروف الجواب.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من كسب يجوز "من" وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن تكون موصولة بمعنى الذي، والخبر قوله: "فأولئك"، وجاز دخول الفاء في الخبر لاستكمال [ ص: 457 ] الشروط المذكورة فيما تقدم، ويؤيد كونها موصوفة ذكر قسيمها موصولا وهو قوله: " والذين كفروا " .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون شرطية، والجواب قوله "فأولئك" وعلى كلا القولين فمحلها الرفع بالابتداء، لكن إذا قلنا إنها موصولة كان الخبر: "فأولئك" وما بعد بلا خلاف، ولا يكون لقوله كسب سيئة وما عطف عليه محل من الإعراب لوقوعه صلة، وإذا قلنا إنها شرطية فيجيء في خبرها الخلاف المشهور: إما الشرط أو الجزاء أو هما، حسبما تقدم، ويكون قوله: "كسب" وما عطف عليه في محل جزم بالشرط.

                                                                                                                                                                                                                                      و"سيئة" مفعول به، وأصلها: سيوئة؛ لأنها من ساء يسوء، فوزنها فيعلة، فاجتمع الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، فأعلت إعلال سيد وميت، وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وراعى لفظ "من" مرة فأفرد في قوله "كسب"، و"به" و"خطيئته"، والمعنى مرة أخرى، فجمع في قوله: فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع وأهل المدينة: "خطيئاته" بجمع السلامة، والجمهور: "خطيئته" بالإفراد.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه القراءتين ينبني على معرفة السيئة والخطيئة.

                                                                                                                                                                                                                                      وفيهما أقوال:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهما عبارتان عن الكفر بلفظين مختلفين.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: السيئة الكفر، والخطيئة الكبيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: عكس الثاني.

                                                                                                                                                                                                                                      فوجه قراءة الجماعة على الأول والثالث أن المراد بالخطيئة الكفر وهو مفرد، وعلى الوجه الثاني أن المراد به جنس الكبيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه قراءة نافع على الوجه الأول والثالث أن المراد بالخطيئات أنواع الكفر المتجددة في كل وقت، وعلى الوجه الثاني أن المراد به الكبائر وهي جماعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بالخطيئة نفس السيئة المتقدمة فسماها بهذين الاسمين تقبيحا لها، كأنه قال: وأحاطت به خطيئته تلك، أي السيئة، ويكون المراد بالسيئة الكفر، أو يراد بهم العصاة، ويكون أراد بالخلود المكث الطويل، ثم بعد ذلك يخرجون.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 458 ] وقوله: فأولئك أصحاب إلى آخره تقدم نظيره فلا حاجة إلى إعادته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ "خطاياه" تكسيرا وهذه مخالفة لسواد المصحف، فإنه رسم "خطيئته" بلفظ التوحيد، وقد تقدم القول في تصريف خطايا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية