الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5903 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا هشيم أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث أورده من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس : حدثنا أنس بن مالك يعني جده بلفظ إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم كذا رواه مختصرا ورواه قتادة عن أنس أتم منه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعبة عنه بلفظ إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم ؟ قال قولوا وعليكم .

                                                                                                                                                                                                        وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " من طريق همام عن قتادة بلفظ مر يهودي فقال السام عليكم فرد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام فقال قال السام عليكم فأخذ اليهودي فاعترف ، فقال ردوا عليه وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق شيبان نحو رواية همام وقال في آخره ردوه فردوه فقال : أقلت السام عليكم قال : نعم فقال عند ذلك إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم وتقدم في الكلام على حديث عائشة من وجه آخر عن قتادة بزيادة فيه وسيأتي في استتابة المرتدين من طريق هشام بن زيد بن أنس : سمعت أنس بن مالك يقول مر يهودي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال السام عليك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليك ثم قال أتدرون ماذا يقول قال السام عليك ، قالوا يا رسول الله ألا نقتله ؟ قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم .

                                                                                                                                                                                                        وفي رواية الطيالسي أن القائل ألا نقتله عمر . والجمع بين هذه الروايات أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر وأتمها سياقا رواية هشام بن زيد هذه وكأن بعض الصحابة لما أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اليهود تقول ذلك سألوا حينئذ عن كيفية الرد عليهم كما رواه شعبة عن قتادة ولم يقع هذا السؤال في رواية هشام بن زيد .

                                                                                                                                                                                                        ولم تختلف الرواة عن أنس في لفظ الجواب وهو : وعليكم " بالواو وبصيغة الجمع قال أبو داود في السنن وكذا رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة . قال المنذري : أما حديث عائشة فمتفق عليه قلت هو أول أحاديث الباب ، قال وأما حديث أبي عبد الرحمن فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي بصرة فأخرجه النسائي .

                                                                                                                                                                                                        قلت هما حديث واحد اختلف فيه على يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير فقال عبد الحميد بن جعفر : عن أبي بصرة أخرجه النسائي والطحاوي وقال ابن إسحاق : عن أبي عبد الرحمن أخرجه أحمد وابن ماجه والطحاوي أيضا وقد قال بعض أصحاب ابن إسحاق عنه مثل ما قال عبد الحميد : أخرجه الطحاوي ، والمحفوظ قول الجماعة ولفظ النسائي : " فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم " .

                                                                                                                                                                                                        وقد اختلف العلماء في إثبات الواو وإسقاطها في الرد على أهل الكتاب لاختلافهم في أي الروايتين أرجح فذكر ابن عبد البر عن ابن حبيب لا يقولها بالواو لأن فيها تشريكا وبسط ذلك أن الواو في مثل هذا التركيب يقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها كمن قال زيد كاتب فقلت : وشاعر فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد ، قال وخالفه جمهور المالكية وقال بعض شيوخهم يقول عليكم السلام بكسر السين يعني الحجارة ووهاه ابن عبد البر بأنه لم يشرع لنا سب أهل الذمة ويؤيده إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة لما سبتهم وذكر ابن عبد البر عن ابن طاوس قال يقول علاكم السلام بالألف أي ارتفع وتعقبه .

                                                                                                                                                                                                        وذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم : عليكم السلام ؛ كما يرد على المسلم واحتج بعضهم بقوله - تعالى - : فاصفح عنهم وقل سلام ، وحكاه الماوردي وجها عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله وقيل : يجوز مطلقا .

                                                                                                                                                                                                        وعن ابن عباس وعلقمة : يجوز ذلك عند الضرورة وعن الأوزاعي : إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد تركوا وعن طائفة من العلماء لا يرد عليهم السلام أصلا وعن بعضهم التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب والراجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه الحديث ولكنه مختص بأهل الكتاب .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرج أحمد بسند جيد عن حميد بن زادويه وهو غير حميد [ ص: 48 ] الطويل في الأصح عن أنس : " أمرنا أن لا نزيد على أهل الكتاب على وعليكم " ونقل ابن بطال عن الخطابي نحو ما قال ابن حبيب فقال رواية من روى عليكم بغير واو أحسن من الرواية بالواو لأن معناه رددت ما قلتموه عليكم وبالواو يصير المعنى علي وعليكم لأن الواو حرف التشريك ، انتهى وكأنه نقله من " معالم السنن للخطابي " فإنه قال فيه هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بحذف الواو وهو الصواب وذلك أنه بحذفها يصير قولهم بعينه مردودا عليهم وبالواو يقع الاشتراك والدخول فيما قالوه انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وقد رجع الخطابي عن ذلك فقال في الإعلام من شرح البخاري لما تكلم على حديث عائشة المذكور في كتاب الأدب من طريق ابن أبي مليكة عنها نحو حديث الباب وزاد في آخره " أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في . قال الخطابي ما ملخصه إن الداعي إذا دعا بشيء ظلما فإن الله لا يستجيب له ولا يجد دعاؤه محلا في المدعو عليه ، انتهى وله شاهد من حديث جابر قال : سلم ناس من اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا السام عليكم قال : وعليكم قالت عائشة وغضبت ألم تسمع ما قالوا قال : بلى قد رددت عليهم فنجاب عليهم ولا يجابون فينا ، أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " من طريق ابن جريج : أخبرني أنه سمع جابرا .

                                                                                                                                                                                                        وقد غفل عن هذه المراجعة من عائشة وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها من أنكر الرواية بالواو وقد تجاسر بعض من أدركناه فقال في الكلام على حديث أنس في هذا الباب الرواية الصحيحة عن مالك بغير واو وكذا رواه ابن عيينة وهي أصوب من التي بالواو لأنه بحذفها يرجع الكلام عليهم وبإثباتها يقع الاشتراك انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وما أفهمه من تضعيف الرواية بالواو وتخطئتها من حيث المعنى مردود عليه بما تقدم وقال النووي : الصواب أن حذف الواو وإثباتها ثابتان جائزان وبإثباتها أجود ولا مفسدة فيه وعليه أكثر الروايات وفي معناها وجهان أحدهما أنهم قالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت والثاني أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك والتقدير وعليكم ما تستحقونه من الذم وقال البيضاوي : في العطف شيء مقدر والتقدير : وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس هو عطفا على " عليكم " في كلامهم .

                                                                                                                                                                                                        وقال القرطبي : قيل الواو للاستئناف وقيل : زائدة وأولى الأجوبة أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا وحكى ابن دقيق العيد عن ابن رشد تفصيلا يجمع الروايتين إثبات الواو وحذفها فقال من تحقق أنه قال السام أو السلام بكسر السين فليرد عليه بحذف الواو ومن لم يتحقق منه فليرد بإثبات الواو فيجتمع من مجموع كلام العلماء في ذلك ستة أقوال .

                                                                                                                                                                                                        وقال النووي تبعا لعياض : من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو ومن فسرها بالسآمة فإسقاطها هو الوجه . قلت بل الرواية بإثبات الواو ثابتة وهي ترجح التفسير بالموت وهو أولى من تغليط الثقة واستدل بقوله " إذا سلم عليكم أهل الكتاب " بأنه لا " يشرع للمسلم ابتداء الكافر بالسلام حكاه الباجي عن عبد الوهاب قال الباجي : لأنه بين حكم الرد ولم يذكر حكم الابتداء كذا قال .

                                                                                                                                                                                                        ونقل ابن العربي عن مالك : لو ابتدأ شخصا بالسلام وهو يظنه مسلما فبان كافرا كان ابن عمر يسترد منه سلامه وقال مالك : لا قال ابن العربي : لأن الاسترداد حينئذ لا فائدة له لأنه لم يحصل له منه شيء لكونه قصد السلام على المسلم وقال غيره له فائدة وهو إعلام الكافر بأنه ليس أهلا للابتداء بالسلام ، قلت ويتأكد إذا كان هناك من يخشى إنكاره لذلك أو اقتداؤه به إذا كان الذي سلم ممن يقتدى به .

                                                                                                                                                                                                        واستدل به على أن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزئ في الرد على المسلم وقيل إن أجاب بالواو أجزأ وإلا فلا وقال ابن دقيق العيد : التحقيق أنه كاف في حصول معنى السلام لا في امتثال الأمر في قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها ؛ وكأنه أراد [ ص: 49 ] الذي بغير واو وأما الذي بالواو فقد ورد في عدة أحاديث منها في الطبراني عن ابن عباس : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال سلام عليكم ، فقال وعليك ورحمة الله وله في الأوسط عن سلمان : " أتى رجل فقال السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك " . قلت لكن لما اشتهرت هذه الصيغة للرد على غير المسلم ينبغي ترك جواب المسلم بها وإن كانت مجزئة في أصل الرد والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية