الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1594 حدثني عمرو الناقد حدثنا إسمعيل بن إبراهيم عن سعيد الجريري عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال أيدا بيد قلت نعم قال فلا بأس به فأخبرت أبا سعيد فقلت إني سألت ابن عباس عن الصرف فقال أيدا بيد قلت نعم قال فلا بأس به قال أو قال ذلك إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه قال فوالله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأنكره فقال كأن هذا ليس من تمر أرضنا قال كان في تمر أرضنا أو في تمرنا العام بعض الشيء فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة فقال أضعفت أربيت لا تقربن هذا إذا رابك من تمرك شيء فبعه ثم اشتر الذي تريد من التمر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( سألت ابن عباس عن الصرف فقال : أيدا بيد ؟ قلت : نعم قال : لا بأس به ) وفي رواية : ( سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا قال : فسألت أبا سعيد الخدري فقال : ما زاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما ، فذكر أبو سعيد حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع [ ص: 206 ] صاعين بصاع ، وذكرت رجوع ابن عمر وابن عباس عن إباحته إلى منعه ) وفي الحديث الذي بعده ( أن ابن عباس قال : حدثني أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الربا في النسيئة ) وفي رواية : ( إنما الربا في النسيئة ) وفي رواية : ( لا ربا فيما كان يدا بيد )

                                                                                                                معنى ما ذكره أولا عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يعتقدان أنه لا ربا فيما كان يدا بيد ، وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين ، ودينار بدينارين ، وصاع تمر بصاعين من التمر ، وكذا الحنطة وسائر الربويات ، كانا يريان جواز بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلا ، وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة ، وهذا معنى قوله : إنه سألهما عن الصرف فلم يريا به بأسا ، يعني الصرف متفاضلا كدرهم بدرهمين ، وكان معتمدهما حديث أسامة بن زيد ( إنما الربا في النسيئة ) ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلا حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحا .

                                                                                                                وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدل على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة ، فلما بلغهما رجعا إليه .

                                                                                                                وأما حديث أسامة ( لا ربا إلا في النسيئة ) فقد قال قائلون بأنه منسوخ بهذه الأحاديث ، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره ، وهذا يدل على نسخه .

                                                                                                                وتأوله آخرون تأويلات :

                                                                                                                أحدها : أنه محمول على غير الربويات ، وهو كبيع الدين بالدين مؤجلا بأن يكون له عنده ثوب موصوف ، [ ص: 207 ] فيبيعه بعبد موصوف مؤجلا ، فإن باعه به حالا جاز .

                                                                                                                الثاني : أنه محمول على الأجناس المختلفة ، فإنه لا ربا فيها من حيث التفاضل ، بل يجوز تفاضلها يدا بيد .

                                                                                                                الثالث : أنه مجمل ، وحديث عبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وغيرهما مبين ، فوجب العمل بالمبين ، وتنزيل المجمل عليه . هذا جواب الشافعي رحمه الله .




                                                                                                                الخدمات العلمية